أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» الفن المبتذل

الفن اليوم برسائله الجوهرية غائب ومغيب. الناس منشغلون اليوم فقط بكل ما هو شاذ ومستفز للذائقة السليمة، إن كان هذا المنحنى يفسر شيئا، فهو يفسر مدى مرض الشعوب ومدى فراغها وهشاشتها وشذوذها.

‏الأمر متعلق تقريبا بكل ما ينتجه الإنترنت والتلفزيونات في السنوات الأخيرة خصوصا. المحدد الوحيد لنجاح أغنية مثلاً هو عدد المشاهدات، وليس قيمتها الفنية. والتحدي الأكبر اليوم ليس هو الإبداع، بل البوز والقدرة على إثارة الفضول الشبيه بفضول من يريدون التفرج على معركة، ‏يمكننا اليوم بكل أريحية أن نستبدل كلمة فنانين بكلمة مشاهير. فرق كبير بين أن تكون فنانا وبين أن تكون مشهورا فقط. لقد غاب المعنى، وبرزت الصورة المثيرة والمهيجة والفضائحية. وكلما كانت جرأتك على تعرية جسدك أو التماهي مع الحشود وحمقهم أكبر إلا وأنجزت المهمة بنجاح أكبر. والمشكلة تكمن في الواقع المعتل!!

وما أنتجته ثقافتنا التقليدية المريضة من فصام وبارانويا وفراغ معرفي وروحي، الفن اليوم ليس هو إنتاج قيم إنسانية، بل هو الوصول إلى الشهرة والمال.

لقد فهم أعداؤنا ذلك، وفهم ما يريده المراهقون فجسدوه لهم. سيارات فارهة وأوشام ونساء كثيرات وأموال. ما يحلم به كثيرون دون أي تفكير في الوسيلة يجسدونها لهم كغاية يبلغونها ليس في واقعهم بل بالتفرج والمشاهدة فقط.قد لا يملك المعجب حتى صديقة واحدة إلا أن تلك المرأة العارية في أغنية ستبهره وهي تتقلب بطريقه ما.

فالحصول على المال هو الدين ومن يحصل عليه يصبح ربا بينما الباقي مجرد عبيد ومعجبين وأتباع برؤوس كبيرة فارغة. إنه يقدم تلك القدوة الحديثة كإنسان ناجح: لا يهم أبدا فيم تفكر ولا من أنت ولا ما هي قيمك!!

لن يفنى العالم بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة التي ستحوّل الواقع إلى نكتة سخيفة.

وفي النهايه….الصياغة للمعنى كالجسد للعقل. قد تجد صياغة متكلفة ومبهرجة لكنها خالية من أي عبرة. وهناك معاني تظل تائهة لأن الصياغة الركيكة لم تخدمها، فتعلق في أذهاننا لتؤرقنا الرغبة في التعبير عنها حتى نجد لها جسدا وكلمة. ‏‎تتفاوت العقول، وليس كل ما ينتج عنها ميسر للقراءة

يسعى الكل إلى ألألفاظ الدقيقة ، والواضحة المعنى التي تدخل العقل والقلب وتستقر فيهما والتي لا يحتاج فهمها إلى عمق في التفكير .. وهذا الفن لا يجيده إلا القليل. الفنانون الخلّاقون والمنضبطون هم نقّاد ذاتيون لأعمالهم ولا يعملون تحت ضغط الكتابة لطائفة من الخبراء في ميدانهم، كما أن الفن هو ذاته صنعة مطلوبة لأجل المتعة؛ لذا فهو يحوز على الكثير من المزايا المبهجة التي تجعله مطلوبًا ومرغوبًا أكثر من سواه من الفعاليات البشرية.

اقرأ ايضا للكاتب

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» اللايك اللعين

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» الأرواح بين التآلف والتنافر

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» كن أنيسًا ذوّاقًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى