أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» الأرواح بين التآلف والتنافر

في تلاقي الأرواح وتقاربها سرّ غيبيّ عظيم، لغةٌ عصيّة على فكّ شفرتها. وانجذابٌ لا يفسّره منطقٌ أو تحليل..

عالمٌ لا يمكن التّنبّؤ به، يحمله القدر على بساطٍ عجائبيّ ساحر، وينقلك إلى عوالم مختلفة يصعب تفسيرها وتأويلها. والأرواح لا ترتبط بالإنسان فحسب، بل إنها تمتزج كذلك بالأشياء والتفاصيل، وتنمو مع نموّها فتتقمّصها بفرادة، كما حصل مع اللغة العربية تحديدًا، والتي قال فيها الشاعر الألماني “يوهان غوته”:” ربما لم يحدث في. أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في ظلّ جسدٍ واحد”

وهذا الانسجام الساحر بين جسد الكلمات وروحها لا يمكن تفسيره، فموسيقاه سحر، ومعانيه عالمٌ من البلاغة والعمق، وأشكاله فنٌّ من فنون الجمال، والروح جمعت كلّ هذا فكمّلته!

وهكذا البشر…ينجذب بعضهم إلى بعض بشكل عجيب، وقد يتنافر البعض الآخر من دون سبب أو سابق معرفة..
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف». وهذا الحديث يبعث على الكثير من الأسئلة والإشكاليّات. من بينها:
هل سنحبُّ كلّ الأنقياء والطيّبين والصالحين؟
أم أنّها الأرواح! تجعلنا نميل إلى من يشبهنا فحسب؟!!
اختلافٌ وتباينٌ عجيب عند بني البشر!

فقد تجد ذوي قربى متفرقين، وتجد غير ذي رحمٍ أقرب ما يكون إلى بعضهم بعضًا.. وإنّ أسوأ أنواع التقارب هو ذاك الذي كان من أجل المنافع والمصالح التي ما أن تنقضي حتى كأن شيئًا لم يكن!

وهو تقارب وهميّ لا تربطه روح، ولا يمسّه غيبيّ، بل هو محضُ تجارةٍ مادّيةٍ رخيصة كأهلها..!

والعكس صحيح تمامًا…حيث إنّ لذوي الأرواح النفيسة والمعادن النظيفة ضوءًا يجذب أشباهه، ويستميل أقرانه، وعند التعرّف إليهم أثر غريب، فلقاؤهم يبعث على الراحة والطمأنينة، ومعرفتهم تهبُ الثراء للنفس، وتُلهِمُ الجمال بكلّ أبوابه!
ثمّ إنّ الخلق في السعة كلهم سواسية.. ولكنها المِحن والمواقف المحكّ الحقيقي لتمايُز الناس، وإظهار حقائقهم.
لأنّ الفِتن تُغربلهم وتفضح حقيقتهم وما تخفي سرائرهم..

غير أنّ أصحاب الأرواح الشفيفة مفضوحون بنقاء ما يحملونه حتى وإن أخطأوا.. الطيّبون لا تُخطئهم القلوب، إذ تتجلّى أرواحهم نديّة ونقية وزكيّة، لا يمسّها تلوّن أو تغيّر…سيريك الزمان من عجائبه الكثير، لذلك لا تعجل…!
دع الزمان يرتّب لك الوجوه، ويدوّن لك الأسماء، ويمحّصها ليميز لك الخبيث من الطيّب.

اقرأ ايضا للكاتب

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» كن أنيسًا ذوّاقًا

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» بين السّكينة والقلق

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع»هل تعرفونهم؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى