تحقيقات وتقارير

في ظل الأزمة الاقتصادية… هل تفتش مصر في دفاترها القديمة؟

دفعنا مئات الملايين سنويًا لتركيا حتى بعد سقوط الدولة العثمانية ب50 سنة والسادات أوقف المهزلة

ليبيا حصلت على مليارات الدولارات من إيطاليا على فترة الاحتلال فلماذا لا تفعلها مصر مع بريطانيا؟

فرنسا دفعت تعويضات لضحايا حرب الجزائر فماذا عن ضحاياها في مصر؟

استاذ قانون دولي :يمكن للقاهرة ان تسترد هذه الأموال بفوائدها من اسطنبول

كتب :محمد أبوزيد و ندى أيوب

حينما يتعثر التاجر يبدأ في فتح ملفاته القديمة، انه مثل شعبي معروف يدل على أنه في فترات الرخاء يتغاضى التاجر السعيد أو الثري عن ديون كثيرة كرما منه أو نسيانا، ولكن حينما تحيط بذلك التاجر الأزمات الاقتصادية المتعاقبة فإنه يعيد فتح دفاتره لمعرفة حجم أمواله لدى المدينين له، ومصر تشبه التاجر المعثر الذي تعرض لأزمات اقتصادية معاقبة، كورونا وتأثيراتها، الحرب الروسية الأوكرانية وأضرارها غير المسبوقة على الاقتصاد العالمي عامة والمصري خاصة، فلماذا لا تعيد مصر فتح دفاترها القديمة!؟

مئات الملايين لدى تركيا

بهزيمة المماليك أمام العثمانيين عام 1517 تحولت مصر لولاية عثمانية، إلى أن وصل محمد علي باشا لحكم مصر عام 1805، حيث تبدلت ملامح الصورة فطموحات الباشا وكاريزمته الطاغية ورغبته في مناطحة الخليفة العثماني في الزعامة ووصول الجيش المصري إلى أوروبا، جعلت الباب العالي وأوروبا يتآمرون عليه وتم توقيع معاهدة 1840 والتي جعلت حكم مصر إرثا لأسرة محمد علي، مع دفع عشرات الملايين من الجنيهات سنويا للدولة العثمانية التي عادت مصر تحت هيمنتها ولو بصورة رمزية.

المدهش والمريب أن الملايين التي كانت تدفعها الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عهد الخديوي إسماعيل للدولة العثمانية استمرت حتى بعد سقوط الخلافة العثمانية ب50 سنة.

فالدولة العثمانية سقطت رسميا عام 1924، وتم الإعلان عن الجمهورية التركية على يد كمال اتاتورك، وبسقوط الخلافة العثمانية لم يعد هناك أي ولاء لها على الدول التي كانت تحت سيطرتها، ومع ذلك استمرت الحكومات المصرية المتعاقبة تدفع ما يقارب من 100 مليون جنيه سنويا حتى عام 1976 للدولة التركية الا ان اكتشف ذلك الرئيس السادات بالصدفة فتم إيقاف هذه المهزلة
فهل يمكن استعادة تلك الأموال الضخمة وهل يمكن أن تقدم مصر طلبًا رسميًا لتركيا لاستعادة تلك الأموال؟؟

يقول الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن مصر لها أن تتقدم بطلب رسمي لتركيا لاستعادة هذه الأموال، لسبب أنها كانت تُؤخذ منها بحكم أنها تحت ولاية الدولة العثمانية، فبسقوط الدولة العثمانية نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1917م، وبمجيء كمال الدين اتاتورك وبإعلان الجمهورية التركية سقطت مصر من تحت ولاية الدولة العثمانية، ومن هنا وبحكم القانون الدولي، لا يحق لمصر أن تدفع كل هذه الملايين للدولة التركية، وإن ثبت ذلك بالفعل لها أن تتقدم بطلب رسمي للدولة التركة لاستعادة هذه الأموال.

وأضاف الدمرداش في تصريحات لـ”الموقع *، أن مصر وضعت تحت الإنتداب البريطاني وفقا لتوقيع معاهدة «سايكس بيكو»، عام 1916م إذن لم يعد في القانون الدولي ما يوجب على مصر دفع هذه الأموال من ذلك الحين، مشيرا إلى انه ربما لم تستمر مصر بدفع كل هذه الأموال بعد عام 1880 بفرض الحماية على مصر من قبل بريطانيا، لأن انجلترا في ذلك الوقت كانت تحارب تركيا المنضمة لدول المحور حتى في الحرب العالمية الأولى، لذلك كان من غير المتوقع أن تدفع الخزانة المصرية لعدوتها في ذلك الوقت.

ومن جهته أكد الدكتور كمال يونس، أستاذ القانون الدولي، أن مصر يمكن أن تتقدم بطلب رسمي للدولة التركية لاستعادة الأموال المدفوعة والمقدرة ب 100 مليون جنيه سنويا على مدار الـ 50 عامًا بأصل الأموال وفوائدها، حيث تتقدم الحكومة المصرية برفع دعوى للحكومة التركية تلزمها بسداد تلك المبالغ، في حين اعترضت الحكومة التركية عن قبول الدعوة تلجأ الحكومة المصرية إلى القضاء الدولي وسوف تسترد أموالها بفوائده.

بينما يرى الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أن هذا النوع من الدعاوي شديدة الصعوبة، وفيها إساءة للدولة المصرية، أنها انتبهت إلى سداد مبلغ ضخم مثل هذا بعد مدة طويلة لإيقافه، ثم بعد عقود أخرى لمقاضاتها تركيا للحصول عليه، وخاصة أن الدولة التركية لم تجبر مصر على دفع هذه الأموال، لذلك هذه الدعاوي ربما تكون مضيعة للوقت.

بدوره يعتقد الدكتور أيمن فؤاد استاذ التاريخ بجامعة الأزهر، ورئيس الجمعية التاريخية، إن مصر لا يمكن أن ترفع هذه النوعية من الدعاوي، وخاصة أن تلك الأموال كانت تُدفع بطيب خاطر وبدون إجبارا من الدولة التركية، مشيرا إلى انتشار مثل هذه الدعاوي من قبل بدون جدوي، ولا يوجد قانون يقر بهذا النوع من الدعاوي.

وأضاف أستاذ التاريخ، أن انجلترا احتلت ثلاث أرباع العالم، وفرنسا احتلت إفريقيا بأكملها، سوريا ولبنان والجزائر وتونس والمغرب وغيرها، منوها أنه على غرار ذلك هناك آثار لم تستطع مصر ردها ومعها ما يثبت ملكيتها بالوثائق، أما الأموال التي حصلت عليها تركيا في ذلك الوقت لم يكن لمصر ما يثبت ذلك، وإن كان بالفعل فبالتأكيد كان هناك سبب واضح لضخ هذه الأموال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى