أخبار

صلاح هاشم: تحركات الدولة المصرية تؤكد أنها فاعل أساسي فى محيطها الإقليمي والعالمي

أصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية ورقة بحثية جديدة ترصد أهم تحركات الدولة المصرية خلال الآونة الأخيرة على الصعيدين العربي والدولي بشكل تحليلي لبيان أبعاد ودوافع مشاركة مصر فى كل منها، والتى كان آخرها عَقد قمة مصرية فرنسية، سبقتها زيارة صربيا لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقمة بطرسبرج لحوار المناخ بألمانيا، وذلك على الصعيد الدولى الذي يعكس نهج مصر لتبنى التعددية الدولية كأساس لعلاقاتها الدولية، وكذلك التحركات العربية بالمشاركة فى قمة جدة للأمن والتنمية، والتى باتت وجوبية نحو تكامل عربي جاد لتحقيق التنمية المستدامة كضمانة جادة لتوفير الاحتياجات الأساسية للشعوب وجعلها فى مأمن من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة.

ارتكزت الورقة البحثية فى عملية الرصد على محاور ثلاث، الأول يسلط الضوء على أبعاد ودوافع تحركات مصر على الصعيد العربي، والثاني يختص بأبعاد ودوافع تحركات الدولة على الصعيد الدولي، بينما الثالث يركز على النتائج المرجوة وآفاق التعاون بين مصر والمجتمع الدولي.

وأكدت الورقة أن تحركات مصر تجاه الدول العربية جاءت لعقد شراكات استراتيجية تعزز فرص نمو الاقتصاد المصري من خلال الاستفادة من الفوائض المالية المُحققة لدى الدول المُصدرة للنفط من جهة، وتحقيق معدلات ربحية مرتفعة لتلك التدفقات الرأسمالية من خلال الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف خاصة وأن الدول العربية المُصدرة للنفط دخلت مرحلة الشراكة الاستراتيجة بديلا عن الاستفادة من العوائد الائتمانية فى الدول المتقدمة بعدما عصفت بها موجات تضخم تزامنت مع تراجع معدلات النمو بها وسط مخاوف من ركود تضخمى وشيك.

وتناولت الورقة أهم وأبرز اللقاءات والاتفاقات الاستثمارية التى عقدتها مصر مع الدول العربية خلال الفترة الأخيرة، والتى جاءت فى مقدمتها قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وذلك ضمن مساعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى رعاية مصالحها فى المنطقة العربية وزيادة الإنتاج اليومى من النفط لمواجهة العجز الناتج فى قصور سلاسل إمداد الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من عقوبات غربية على صادارت الطاقة الروسية، وخلُصت القمة إلى تراجع الدور الأمريكى فى التأثير على اتجاهات إنتاج الطاقة والنفط، الأمر الذي يشير إلى تصاعد دور القوى الدولية المواجهة لأمريكا، وتأتى الصين وروسيا فى المقدمة.

وعلى صعيد التعاون المصري السعودى، فقد سبق قمة جدة لقاءات ثنائية على مستوى وزراء المجموعة الاقتصادية والتى قد نتج عنها  التوقيع الثنائي على 14 اتفاقية استثمارية، وهو ما يعكس تقارب واضح  فى الفترة الحالية يهدف لترسيخ التعاون طويل الأمد فى الفترة المستقبلية، حيث وقع الجانبان 14 اتفاقية استثمارية بقيمة 7.73 مليار دولار  فى يونيو 2022، ضمن اتفاقات بينية تزيد عن 160 إتفاقية  ثنائية، بنمو سنوى 87% بقيمة استثمارية تقدر بنحو  32 مليار دولار، اشتملت أوجه التعاون على تطوير قطاعات رئيسية وهي الأدوية  وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى جانب التعاون فى المجال الإعلامي.

ووفقا للورقة البحثية، تجاوزت الاستثمارات السعودية في مصر نحو 53 مليار دولار موزعة على 6800 مشروع وشركة، كما تبلغ عدد الشركات المصرية نحو 802 تعمل في المملكة السعودية برؤوس أموال 5 مليار دولار، فيما تحتل مصر المرتبة الثانية استثمارا  فى السعودية بنحو  160 رخصة فى عام 2020 ونحو 11 صفقة استثمارية فى 2020، ولعل أبرز هذه الاتفاقيات اتفاقية بين “أكوا باور”  السعودية والقابضة المصرية للكهرباء لإنشاء أكبر محطة في الشرق الأوسط لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح بقدرة تتجاوز 1100 ميجاوات، واتفاقية بين الفنار العالمية والهيئة العربية للتصنيع لإنتاج الكهرباء والهيدروجين الأخضر .

وأشارت ورقة منتدى “دراية” إلى اتفاقية الشراكة الصناعية التى تستهدف تدشين مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك بين الدول الثلاث التى عقدت العزم على أن تصبح نقطة ارتكاز إقليمية مؤثرة فى الاقتصاد العالمي، ولاعب أساسي فى مختلف الأحداث لاسيما فى منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال استغلال القدرات والإمكانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكامنة لدى كل منهم، لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، لاسيما وأن هذه الدول تتمتع بمجموعة من الموارد والمزايا التنافسية الفريدة التي تشمل توفر المواد الأولية والخام.

ومن جانبه أكد الدكتور صلاح هاشم رئيس منتدى “دراية” أن دوافع التقارب بين الدول العربية تتمثل فى التغيرات الجيوسياسية التى دفعت باتجاه بعض حكومات الدول العربية إلى تدشين صناديق استثمارية سيادية تستهدف تمويل المشروعات الهامة لديها لحفز نموها الاقتصادى بالشراكات مع صناديق سيادية أخرى دولية. هذا إلى جانب تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة وتخارج بعضها مما أدى إلى تراجع نسبي للاحتياطات الأجنبية لدى بعض البنوك المركزية، مضيفا أن ذلك الأمر دفع بالدول العربية لتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها وتعزيز نمو الناتج المحلى الإجمالى المعتمد على التعاون، وعقد اتفاقيات شراكة استراتيجية طويلة الأجل لتخفيف الأعباء الحالية الناتجة عن صدمة أسعار الطاقة والغذاء.

وأشار هاشم إلى أن تحركات الدولة على الصعيد الدولي صُنفت خلال الفترة الأخيرة فى اتجاهين أساسيين، الأول يتمثل فى دعم قضية التغيرات المناخية وآثارها السلبية على الاقتصادات الناشئة فى ضوء تَولي مصر رئاسة الدورة القادمة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب27 ) المقرر انعقادها فى نوفمبر 2022 فى شرم الشيخ، أما الاتجاه الثانى والأهم هو تعزيز الشراكات التنموية مع المجتمع الدولى خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة.

وأضاف قائلا إن مشاركة مصر فى قمة منتدى الاقتصاديات الكبرى حول الطاقة وتغير المناخ، وحوار بطرسبرج للمناخ بألمانيا تمهيدا لـ(كوب27)، فضلا عن زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي لصربيا وفرنسا التى تجاوزت بعدها الثنائي، وامتد صداها لبعض الدول فى العالم العربي وإفريقيا، جاءت لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصر فاعل أساسي فى المنطقة العربية والإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط.

وبشأن العلاقات المصرية الصربية، ذكرت الورقة البحثية أن حجم التبادل التجاري بين الدولتين بلغ نحو  80 مليون دولار في عام 2021 مقابل 104 ملايين دولار في عام 2020، فيما بلغت الصادرات المصرية إلى صربيا 42.39 مليون دولار عام 2021 مقابل 65.90 مليون دولار عام 2020. فى حين بلغت صادرات صربيا إلى مصر 37.35 مليون دولار عام 2021 مقابل 38.10 مليون دولار عام 2020.

كما ذكرت أن  قيمة التبادل التجاري بين مصر وفرنسا ارتفعت لتصل إلى 991.9 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، مقابل 617.2 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 60.7%.، نتيجة لارتفاع قيمة الصادرات المصرية إلى فرنسا، إذ سجلت  557 مليون دولار خلال الستة أشهر الأولى من عام 2022، مقابل 183.9 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 202.9%.، فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من فرنسا نحو  434.9 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، مقابل 433.3 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 0.4%.
أما الاستثمارات الفرنسية في مصر بلغت 228.4 مليون دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2021 / 2022 مقابل 128.9 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام المالي 2020/ 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 77.2%، كما شهدت تحويلات المصريين العاملين بفرنسا 126.1 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021 مقابل 105.7 مليون دولار خلال العام المالي 2019 / 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 16.2%.

وأشارت ورقة “دراية” إلى أنه من بين دوافع مشاركات مصر وتحركاتها الدولية تحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة النظيفة والمتجددة، وتحول الدول نحو تنويع مصادر إمداد الطاقة خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحبها من حالة عدم الاستقرار فى أسواق الطاقة، ويأتى غاز شرق المتوسط فى الصدارة حيث تتولى مصر رئاسة “منتدى شرق المتوسط للغاز” (EMGF ) ومقره القاهرة، وذلك بعد مجهودات كبيرة بُذلت فى هذا الصدد بدءا بترسيم الحدود فى 2014 مع دول الجوار، ومرورا بإنهاء ملفات مستحقات الشركات العالمية العاملة فى البحث والتنقيب عن البترول والغاز، وانتهاء بتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط فى 2018، وتدشينه فى 2020

وأخيرا أشارت الورقة إلى أن حضور مصر ومشاركتها فى العديد من اللقاءات والقمم الإقليمية والدولية، جاء بهدف تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية وأبرزها التوسع فى مشروعات الهيدروجين الأخضر وتحلية المياه، وزيادة التمويل الدولي للمشروعات الخضراء والتحول إلى النقل النظيف، إلى جانب مساعى دولية لصياغة إطار ملائم جديد لتخفيف حدة الصراع العالمى ، وصياغة أطر تعاونية بين مصر والدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى