أراء ومقالاتالموقع

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» “مُذنَّب” الخيال .. و”نُطفة” الاحتلال!

أجمل ما فى السينما الجادة أنها تستفز مزاجك .. وتستنفر واقعك .. وتدفعك دفعا للتفكير والتأمل والبحث عن حل .. وما أثاره الكاتب المثقف عبد الله عبد السلام مدير تحرير الأهرام فى عموده اليومى الثرى “أفق جديد” حول الفيلم الأمريكى “لاتنظروا إلى السماء” لايُفقدنا الثقة فى قدرة هذه الصناعة الثقافية على تفجير القضايا واختراق عقل ووجدان الملايين بمزيد من الأفكار والتساؤلات، وقطع أشواط نحو التغيير للأفضل .. وكثيرا ما فتحت تجارب “الخيال العلمى” آفاقا أوسع لاستشراف المستقبل واكتشافات مذهلة سابقة لعصرها، والنقطة الأهم فى فيلم هوليوود الأخير تتمثل فى فضح ممارسات السياسة الفاسدة عندما تصطدم مصالحها برسالة العلم ونبل مقاصدها .. وتطرح التجربة السينمائية هنا السؤال الأكبر : من يفوز .. إنسانية العلماء أم انتهازية الطغاة؟!

ما يفعله حكام العالم ويخدم بطانات السلطة وشبكات مصالحها حتى هذه اللحظة يجيب عن السؤال عمليا وتاريخيا فى ظل معطيات الوباء والتغيرات المناخية القاسية والأزمات الاقتصادية الخانقة فى مناسبات دورية متلاحقة .. ومايصدر عن العلماء والعباقرة المخلصين من سبل مقاومة وإجراءات صمود لايزال رهان ملايين البشر على استمرار الحياة والرغبة فى البقاء .. وما السينما إلا وسيلة حضارية ناعمة لمساندة فريق “الأخيار” ضد جيوش “الأشرار” .. وبينما تحلق هوليوود فى الفضاء الخارجى لتحذير الكون من مخاطر الفناء والضياع الأبدى، تغوص السينما العربية فى أعماق قصصها المفجعة خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلى، وتُبحر بخيالها لتبلغ “نُطفات” آلاف الأسرى الفلسطينيين، التى قد تُستبدل بأخرى من أجساد الأعداء لتختلط الأنساب، وتتلوث سلالة الأحرار من أصحاب الأرض بـ “جينات” الغاصب المُدنَّسة .. ومن رأس هذه الفكرة البديعة، انطلق الفيلم الأردنى المصرى المشترك “أميرة” فى المسابقات الرسمية والمهرجانات الكبرى باحثا عن شرعيته الفنية قبل شرعية الأجيال من الشعب الفلسطينى الذى لايكتفى الاحتلال بسرقة أحلامه وسلب حقوقه وماضيه، وإنما يمتد الاغتصاب إلى تزوير المستقبل وتجريد صاحب القضية من كل أدلة وحيثيات وجوده .. ويظل الأسير الفلسطينى بأمعائه الخاوية ونُطفته النقية رمزا للمقاومة والنضال الشريف حتى وهو مُكبَّل بالأغلال وغارق فى ظلام زنازين الموت .. وتتحدى “النطفة” الأسوار والأسلاك الشائكة لتطير وتتلقح بـ “بويضات” الحرية ليخرج من “رحم” القضية من يستكمل المسيرة ويدافع عن شرف العروبة .. وإذا كان هذا هدف صناع الفيلم، فالعبد لله أول من يسانده ويرفع له القبعة لذكاء الطرح وبراعة التفكير .. ودون الخوض فى التفاصيل الفنية وأحداث القصة الأصلية، يجب أن ننظر إلى التجربة باعتبارها كاشفة لدناءة الاحتلال وعدم تردده فى تزييف الحقائق وتدليس التاريخ وصولا إلى التجرؤ على الأعراض بأبشع أساليب “الدعارة السياسية” .. ووسط سيل الاعتراضات وسهام النقد القاسية التى اتجهت إلى الفيلم وفريق العمل، واتهمته بالإساءة إلى القضية الفلسطينية والسخرية من أوضاع الأسرى، أجدنى متعاطفا مع أبطال “أميرة” لأنهم أرادوا إنصافها وتطهيرها من دماء المحتل و”نطفته” الفاسدة، لا إدانتها والتعامل معها على أنها “جرثومة” تستحق القتل أو الإنكار أو الإبادة .. ومازلتُ متحمسا للفكرة ومتفهما لدوافعها سياسيا وإنسانيا إلى أن تمكننى الظروف من مشاهدة الفيلم بالكامل للحكم موضوعيا على الرؤية الفنية وطريقة المعالجة السينمائية، وليس بالإعدام على خصوبة “نطفة الخيال”! .. فهذه هى السينما .. وهذا هو منطقها وسر خلودها!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى