أراء ومقالاتالموقع

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» مهرجان القاهرة السينمائى .. “الروشتة السحرية”!

ارتبط عنوان “مهرجان القاهرة السينمائى” بذكريات المشاهدة الممتعة لمختلف الأفلام المصرية والأجنبية فى منافسة قوية وسباق على جوائز الجدارة والاستحقاق .. ومنذ عقود والمهرجان فرصة لتواصل الثقافات والتقاء التجارب السينمائية الناضجة بما يؤثر فى وعى الشعوب، ويشكل وجدان أى مجتمع .. لأن القائمين على إدارة العُرس الفنى أدركوا عمق أهميته ودوره فى بناء الإنسان واستثمار القوة الناعمة فى تغيير قوانين الحياة والتحريض على التغيير للأفضل .. وهذه الفلسفة لاتتحقق إلا بأجيال تفهم معنى كلمة “سينما” وتهضم تفاصيلها وتفرز “إنزيمات” لمكوناتها وعناصرها .. لذلك استمر المهرجان لتفوقه فى احتضان أقوى الأفلام، وتنظيم أكثر الندوات ثراء واتساعا فى الأفق أثناء النقاش والحوار المفتوح، وتوسيع مساحة الكتب المتخصصة والنشرات الفنية بما يفيد فى تنشيط حركة النقد السينمائى ومد الجسور بين أهل الخبرة وأقلام الشباب.
هذا الزخم الذى امتاز به مهرجان القاهرة يكاد أن تنطفئ شعلته، فى الدورات الأخيرة لضعف مستوى الأفلام المشاركة، وسيطرة المجاملات على اختيار ضيوف الشرف ونوعية النجوم التى تتولى مهمة تقديم حفلتى الافتتاح والختام على نحو هزيل يُفقد الحدث رونقه وأناقته التاريخية .. وصولا إلى غياب ورش العمل والتدريب على أدوات العمل السينمائى، وما تمثله من قيمة وضرورة حتمية لخلق كوادر جديدة، وتنمية مواهب مدفونة تحتاج إلى بصيص أمل ويد المساعدة.
إن مكانة المهرجان تؤهله لاستضافة أعظم النجوم العالميين فى وزن آل باتشينو أو روبرت دى نيرو أو داستين هوفمان للاتفاق معهم على دورة تستغرق يومين أو أكثر لعدة ساعات يستفيد منها صغار الممثلين الصاعدين ويدركون منها حرفية الأداء كما يقول الكتاب .. ولنا أن نتخيل العائد فنيا وماديا عند تسويق هذه الدورة المكثفة بلغة “التريندات” بمجرد ذكر هذه الأسماء .. وبالمثل ينطبق الحال على دورة إخراج يقودها ستيفن سبيلبرج أو مارتن سكورسيزى أو روبرت زيميكس بكل رصيدهم الذهبى فى جوائز الأوسكار .. وإذا كان المهرجان قد كرَّم موسيقارا هنديا تقديرا لأعماله وبصماته فى الارتقاء بفن الصورة مع أنغام الموسيقى، فلماذا لايكتفى بالتكريم، ويدعوه لتدريب وإعداد ملحنين شباب سواء من معهد الكونسيرفتوار أو من حرمتهم الظروف من الفرصة الأكاديمية ويمتلكون الموهبة والاستعداد ويحلمون بما يعوضهم؟!
وباختفاء أعمدة النقد البارزة من الساحة لتسود “قوالب” الكتابة الانطباعية، يتعين على إدارة المهرجان تبنى مشروع “الناقد الصغير”، وتفتح أبواب المسارح وقاعات العرض لعشرات النقاد والصحفيين الشباب الذين يفتقدون إلى التوجيه والقدرة على قراءة وتحليل الفيلم السينمائى بعمق وشفافية، ولامانع من تنظيم مسابقة بين المشاركين للتنافس على تقييم أفلام المهرجان واكتشاف البراعم التى تصلح لممارسة “وظيفة النقد” التى كانت – ولاتزال – من أهم أسباب وتطوير أى حركة سينمائية أو نهضة ثقافية!.
– ما رأيكم يا سادة “مهرجان القاهرة” العظام؟! .. منكم من يبذل بالفعل جهدا مخلصا وطاقة عمل لحماية الحدث الثقافى والحفاظ على سُمعته .. ولكن هل تستحق هذه الملاحظات العابرة الدراسة والبحث وإنفاق الملايين على بنودها لخدمة فلسفة المهرجان وضمان بقائه من خلال هذه “الروشتة السحرية” .. أم أن الميزانية لاتسمح، وتُصرف فقط على متطلبات “السجادة الحمراء” وتكاليف الديكورات المبهرة والإقامة المريحة فى الفنادق الفاخرة؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى