أراء ومقالاتالموقع

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» سينما «سهر الليالى»!

تتذكرون فيلم “سهر الليالى” الذى شاهدناه جميعا منذ ٢٠ عاما، وأثار نفس الضجة المحيطة بفيلم “أصحاب ولا أعز”، ولأننا منذ نحو عقدين من الزمان لم نشهد هذا التحول الرقمى الهائل، لم يكن الفضاء الإلكترونى على وضعه الراهن من الانتشار واختراق غرف النوم .. فكانت الوسيلة الوحيدة هى دار العرض السينمائى ومشاهدة الفيلم لاستكشاف حقيقته وقراءة تفاصيله!.

وذهبنا إلى أى دار عرض .. وعشنا مع أبطال العمل لنتعرف على أسرار مؤسسة الزواج من خيانات بدرجاتها، ومشاعر مزيفة، ومخاوف من الفشل، وأسلوب يفتقد إلى النضج فى التعامل مع شريك الحياة عاطفيا وجنسيا .. ووسط هذه الغابة من العلاقات المشوهة نخرج بسيناريو متقن وحوار جرئ وطاقة تمثيلية متدفقة بالفهم والاستيعاب لطبيعة كل شخصية متناغمة مع رؤية إخراجية تتميز بالحرفية والحساسية .. ببساطة سينما .. حالة فنية متماسكة حتى مشهد النهاية داخل قاعة أفراح عامرة بنفس المشاكل ومغلقة على نفس الأزمات التى بدأت بها الأحداث، ومعها ودَّعنا دار العرض بباقة زهور تكريما لتجربة سينمائية جادة احترمت عقلنا ومشاعرنا فاحترمناها وأيَّدنا تكرارها بكل ما تحمله من جدل فنى وأخلاقى!.

وأكاد أجزم بأن هذا ما أراده صناع فيلم “أصحاب ولا أعز”، متأثرين بالحجر الذى ألقاه “سهر الليالى” فى بُحيرتنا الراكدة بقيم وموروثات اجتماعية وتابوهات دينية معروفة .. وقبل أن يشاهد أىٌّ منا الفيلم انطلقت سهام النقد من كل صوب دفاعا عما تبقى من أخلاقيات فى مجتمع محاصر بالانفتاح دون ضوابط أو مفاتيح تحكم .. ولم أتوقف إلا عند أقلام نادرة تناولت التجربة من الزاوية الفنية والتحليلية لعناصر الفيلم الأساسية سواء فى السيناريو أو المعالجة الدرامية أو البعد الإخراجى .. فالقطاع الأعظم من الرافضين للعمل اختزل الهجوم فى قطعة ملابس داخل حقيبة البطلة أو لفظ خارج على لسان بطل آخر أو طرح صريح لنموذج “المثلى جنسيا” .. بينما ما يجب أن يستوقفنا كمجتمع أكثر تحضرا وثقافة هو تقييم الأسلوب السينمائى فى عرض القضية، ومنطق تعدد الخيانات الزوجية وكيف جرى فضح كوارث شركاء الحياة أثناء جلسة “صداقة” واحدة .. فهل تعامل مشرط السينما بذكاء فنى وعمق درامى مع المضمون مثلما أتقنت اللعبة تجربة “سهر الليالى”؟! .. هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا وفائدة من الحديث الأجوف عن قشور بعض المشاهد، وتجاهل جوهر الفيلم وخطورة رسالته!.

– علينا أن نشاهد الفيلم أولا دون حجاب على العقل أو الخيال .. ومناقشة فريق العمل فى ندوات يحكمها الوعى وتقبل الرأى وحرية التعبير، شريطة ألا تتجاوز الرغبة فى الإبداع حدود الرقى والأناقة فى الطرح التى هى صميم الفن وفلسفة السينما الحقيقية .. والهدف من الحوار المفتوح هو تبصير صناع الفيلم بثغراته ومواطن القصور فيه إن وُجدت انطلاقا من أسس النقد العلمية والموضوعية، وأيضا إرشاد الجمهور إلى التفرقة بين سينما الصدمة التى تُحرض على التفكير وتغيير المفاهيم بالهمس والهدوء، وبين سينما أخرى تتورط فى “فجاجة” المعالجة و”ابتذال” الرؤية وانتشار الكاميرا “الجارحة”، وهذا النوع الأخير يستوجب لفظه واستبعاده! .. ودائما قلم “النقد العاقل” والنقاش الهادئ هو ما يحمى الفن ويسهر على سلامة المجتمع ويضمن أمان الأسر والبيوت .. بلا ترهيب أو مصادرة أو منع من العرض، فيربح المخطئون أكثر مما تتخيلون، وتظل الخسارة الأكبر من نصيبنا!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى