أراء ومقالاتالموقع

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» المؤسسات القومية .. موارد وديون!

المؤسسات الصحفية القومية مثلما هي كتلة متراكمة من الديون والتعثر المالي، مثلما هي منجم موارد بشرية ومادية تبحث عن ذكاء في الاستثمار، ويتشوق أبناؤها إلى “عقل تجاري” يعرف كيف يدير ويحسب ويقود الأفكار بخبرة وخيال .. وضمير!.

وبعد ثورة ٢٥ يناير تحديدا طفت على السطح أحداث سياسية واضطرابات أمنية نتج عنها تداعيات اقتصادية واجتماعية، ورفعت كل هذه العوامل الغطاء عن شبكة العلاقات المريبة والصفقات المشبوهة داخل الغرف المغلقة المكيفة .. وأفرزت الشبكة العنكبوتية حالة من التضخم مصدرها التربح واستغلال النفوذ والتحكم في مفاتيح المؤسسات وأنابيبها الاقتصادية .. وفاحت روائح السحب على المكشوف وإساءة توزيع وإدارة صناديق العاملين على نحو استفادت منه الدولة العميقة، وضاعت حقوق وأموال الموظفين في “جيوب” حفنة من زملائهم الذين منحوا ذمتهم المالية “إجازة مفتوحة”!.

ومن البديهي أن تكتظ خزائن المؤسسات الكبرى في ظل هذا المناخ المريض بأوراق الديون والشيكات المؤجلة للسداد، وتغرق الإدارة العليا في دوامة الاقتراض والتفكير سريعا في حلول جاهزة بالبيع والتفريط في الأصول والممتلكات لتسوية الملفات وسد ثقوب وثغرات التحايل قانونيا وإداريا .. بينما يرقد كل صِرح صحفي أو إعلامي فوق تلال من الموارد سواء على مستوى الكفاءات المهنية والخبرات الأكاديمية في بلاط صاحبة الجلالة، أو من حيث المباني ومساحات الأراضي التي تخضع لها ويمكن توظيف الشراكة مع الدولة نفسها أو القطاع الخاص لجني الأرباح والعوائد الفلكية وضمان الإنفاق النزيه والمريح على مطالب والتزامات العاملين من كل القطاعات داخل كل مؤسسة على حدة!.

تسود الآن نغمة شاذة ومرفوضة حول عرض منشآت تابعة للمؤسسات القومية، أو نسبة من الأملاك في مزاد علني ومناقصات مقننة .. وبصفتي أحد أبناء واحدة من تلك المؤسسات العريقة وتتمتع بوزن وتاريخ صحفي وسياسي، أتصور أن هذا اختزال للمشكلة واستسلام للاقتراحات الجاهزة المفتقرة إلى التفكير العملي والرؤية الخصبة المستنيرة .. فما تحتاجه الصحافة القومية بشكل عام هو إعادة تدوير مواردها وتجديد دماء عناصرها وشبابها .. والاتجاه الأول ينصب على ضخ خبرات ومواهب كوادرها الصحفية في المدارس والجامعات وكليات الإعلام بمختلف فروعها لتربية أجيال جديدة مواكبة للعصر وتتضافر ما تتلقاه من معلومات مع مقتضيات الثورة الرقمية .. ويمكن حينئذ أن يتوفر للزميل الصحفي رافد مادي مجزٍ بجانب راتبه الشهري ومكافآته الهزيلة، ويتحدى بذلك متطلبات حياته وأسرته ويودع حالة الإحباط التي صارت ملتصقة به لسنوات عصيبة.

أما الاتجاه الثاني، محوره الرهان على اتفاقيات مشروعة وشفافة بين المؤسسة وبين كيانات اقتصادية عملاقة تنص على استثمار ممتلكات المؤسسة من منشآت أو مصايف أو شقق مفروشة أو عقارات سكنية نظير نسبة عادلة بين الطرفين .. ورجل الأعمال هو أفضل اختيار للتعاون انطلاقا من تجربته العريضة في سوق المال والتجارة، ولغته المحترفة في التعامل مع الأرقام والحسابات .. والمسألة أولا وأخيرا تقتضي شروطا محددة وقاطعة وعيون “شريفة” قادرة على الرقابة ومتابعة التنفيذ دون سرقة أو تدليس أو طمع!.

– إن التخلص من الموارد والحصول على أموال سائلة دفعة واحدة من أسهل الأشياء، ولكنها عرضة للإهدار والنزيف بنفس سرعة قبضها .. في حين أن الاستثمار الأكثر ذكاءً وضمانا للمكسب الدائم يكمن في البشر والحجر .. ومؤسساتنا المُنهَكة رغم الإرهاق المادي والقحط الإداري في شرايينها، زاخرة بأعظم الإمكانيات والملكات التي تعاني من الإهمال والصدأ المتعمد .. وحماية “جواهرها” تبدأ من المسارين السابقين، والتلكؤ باستمرار في اتخاذ القرار الحكيم أكبر “مؤامرة منهجية” على مصالحنا وأحلامنا وحقوقنا جميعا .. وقبل أن نضع هذا الملف الملغوم على مكتب أكبر سلطة في الدولة، يتعين أن تبادر رؤوس هذه المؤسسات بالإصلاح والتغيير وحملات التطهير .. هذا إذا صدقت النوايا وتحلَّت القيادات بالعقل المخلص الرشيد .. واستمعت إلى الرأي السديد!.

اقرأ ايضا للكاتب : 

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» المدرسة والجامعة .. إلى السلطة!

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» شراع «أميرة» فى “سفينة سلطان”!

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» سيمفونية «الصف الابتدائي»!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى