الموقعخارجي

سامح شكري أمام الأمم المتحدة بشأن سد النهضة: تمسك مصر بضبط النفس لا يعني التهاون في حقوقها المائية

شدد وزير الخارجية سامح شكري، على ضرورة التوصل دون تأخير أو مماطلة إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، طبقًا لاتفاق إعلان المبادئ الذي اتفقت عليه الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، في مارس 2015 بالخرطوم، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021.

وقال الوزير “شكري”، مساء السبت، خلال إلقائه كلمة مصر أمام الدورة 77 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك: هذه الدول الثلاث ذات سيادة، ويتعين أن تلتزم بما اتفقت عليه، وأن تنفذه فعلاً وليس قولاً.

وأضاف أنه مساهمة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين؛ فإن مصر  تدعو المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الفاعلة على الصعيد الدولي، إلى العمل على تطبيق قواعد القانون الدولي ذات الصلة، صونا لمصير وحقوق 250 مليون مواطن مصري وسوداني وإثيوبي.

وتابع: ظل الأمن المائي أحد أهم التحديات التي تواجه عالمنا اليوم، لا سيما في منطقة الشرق الألوسط والقارة الإفريقية التي تقع بعض دولها في أكثر مناطق العالم جفافًا وتصحرًا.

ولفت إلى أن المؤسف في هذا الأمر أن هذه المعاناة الإنسانية الجسيمة قد لا تكون بالضرورة بسبب نقص الموارد أو تراجع كميات الأمطار فحسب؛ ولكنها قد تعود بالأساس إلى عدم الالتزام بأحكام القانون الدولي، ورغبة بعض دول المنابع في الاستئثار بالمورد المائي، بما يحرم دول الممر والمصب من نعمة إلهية ممنوحة لخير الجميع وليست حكراً على شعب دون آخر.

وأوضح أنه يخطئ البعض إذا تصور أن التمسك بتطبيق الوسائل السلمية لتسوية النزاعات المائية يأتي من قبيل  الضعف، بل إنه ينبع من مكامن قوة، وقدرة على صون الحقوق وحفظها من الضياع أو التفريط، وإدراك مسئول للآثار السلبية للصراعات على الشعوب قبل الحكومات.

وشدد على أنه في هذا الإطار، فإن مصر، التي تقر بحق الشعب الإثيوبي في التنمية، ومازالت على مدار ما يتجاوز عقدا كاملا متمسكة بضبط النفس، وتؤكد أن ذلك لم ولن يعني أبدًا التهاون في حق الشعب المصري في الوجود، الذي ارتبط بنهر النيل منذ فجر التاريخ، مهدًا للحضارة وشريانًا للحياة.

وفيما يلي نص كلمة الوزير سامح شكري أمام الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة:

 

السيدة/ رئيسة جلسة الجمعية العامة، أتوجه إليكم بالتحية، كما أتقدم بالتهنئة للسيد/ تشابا كوروشي على رئاسة الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة،

راجيا لكما التوفيق والنجاح في أعمالها.

 

السيدات والسادة، تنعقد الدورة الحالية للجمعية العامة في مرحلة تاريخية دقيقة تشهد فيها الساحة الدولية أزمات بالغة، التعقيد والتشابك، تتطلب لمواجهتها عملاً جاداً، يتم فيه تفعيل الدبلوماسية متعددة الأطراف، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة؛ ففي الوقت الذي لا يزال العالم يعاني فيه من التبعات الهائلة لجائحة “كوفيد-19،”وما سببته من تداعيات جسيمة، جاءت الأزمات الجيوسياسية المتلاحقة، لترفع من حدة التوتر الدولي إلى مستوى غير مسبوق.

من هذا المنطلق، وفي هذا الظرف الدقيق، تطرح مصر رؤيتها للواقع الدولي وسبل مواجهة التحديات التي يشهدها عالمنا اليوم، فبداية، مازالت المنظومة الأممية تواجه تحديات العمل خارج إطارها، رغم ما تمتلكه، إذا توفرت الإرادة، من قدرة على صياغة موقف دولي فعال، يدعم الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، ويعزز تنمية وازدهار شعوب العالم.

ومن الأمور التي تدعو إلى الأسف، تبدد الآمال التي كانت معقودة على بلوغنا في القرن الحادي إلى عالم يسوده السعي لتحقيق الاستقرار ونبذ التوتر، وإرساء نظام دولي قائم على احترام قواعد القانون الدولي، لنتفاجأ بتوجه متنام نحو الاستقطاب بتزكية المواجهة والصدام، بدلا من التكامل لتحقيق المصالح المشتركة، أو حتى التنافس على أساس قواعد عادلة، بما يسهم في ارتقاء البشرية بأسرها.

إن الافتئات على عمل المنظومة الأممية لا يقف عند حدود العمل خارج إطارها، بل يمتد أيضا إلى اعتماد معايير مزدوجة في التعامل مع الأزمات المتشابهة، فما يتم تقبله في أزمة ما، يعتبر مرفوضاً في أزمات أخرى، وهكذا أصبح القصور ليس في المنظومة الأممية ذاتها، ولكن في إرادة أطراف تلك المنظومة.

وإن كنا نجتمع في شهر سبتمبر من كل عام في هذا المحفل الدولي الجامع؛ فإنني أدعو المجتمعين في الدورة الحالية إلى احترام المنظومة الأممية، وتفعيل عملية تجديدها وإصالحها؛ وهي عملية لا يتعين أن تبقى دون إنجاز، أو تكون بلا نهاية؛ بل يجب أن تتم بجدية وموضوعية وإنصاف، حتى تصبح الأمم المتحدة أكثر قدرة على التجاوب مع التحديات التي نواجهها، وأكثر مرونة في تلبية مطالب واحتياجات شعوبنا. وفي هذا الصدد، تؤكد مصر تمسكها بالموقف الأفريقي من إصلاح مجلس الأمن طبقا “لتوافق أوزولويني” و”إعلان سرت”.

السيد الرئيس.. إن اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية قد فاقم من حدة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم منذ انتشار جائحة “كوفيد -19”. ومع استمرار الآثار السلبية التي خلفتها الجائحة والتطورات الجيوسياسية المتلاحقة، باتت الدول النامية تواجه تزايدا متناميا في الأعباء الملقاة على عاتقها، لا سيما فيما يتعلق بأزمة الديون السيادية وتفاقم العجز في الموازنات العامة. ومن ثم أصبح من الضروري أن تتجاوب الدول المتقدمة مع مطلب إطلاق مبادرة عالمية بين الدول الدائنة والمدينة، تهدف إلى مبادلة الديون، وتحويل الجزء الأكبر منها إلى مشروعات استثمارية مشتركة، تخلق المزيد من فرص العمل، وتساهم في تحقيق نمو إيجابي للاقتصاد.

السيدات والسادة. ينبئ الواقع الراهن بوضوح عن أن المفهوم السائد للأمن الدولي بات أقرب إلى “نظام توازن القوى” منه إلى “نظام الأمن الجماعي”، وأصبحت البيئة الدولية صراعية وليست تعاونية، الأمر الذي يحتم علينا العمل على تعزيز روح التوافق الدولي، لضمان أمن جميع الدول دون تهديد أو تقويض لسلامتها وأمنها.

إن التحديات الدولية الراهنة أصبح منها ما يهدد وجود الدولة الوطنية ذاته، من جراء التدخل في شئونها الداخلية، وعدم مراعاة خصوصية مجتمعاتها، مما يؤدي إلى إضعاف كيان الدولة، بل وأحيانا إلى تمزيقها، بما يفسح المجال لتنظيمات ما دون الدولة، من جماعات إرهابية وميليشيات مسلحة، للتحكم في مصائر ومقدرات الشعوب، وهو أمر يتعين أن ينتهي لصالح تمكين مؤسسات الدولة الوطنية من القيام بدورها على الأصعدة كافة؛ بما يفضي كذلك إلى صون وتعزيز الأمن والسلم على المستوى الدولي.

السيد الرئيس، السيدات والسادة، تتعدد الأزمات في الواقع الدولي وتتشابك لتحدث تأثيرات مضاعفة، من أبرزها أزمة الأمن الغذائي، التي تعد نتاجا لسنوات طويلة من إخفاق المجتمع الدولي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما ما يتعلق بالقضاء على الجوع وتحقيق أمن الغذاء، وكذلك نتيجة لتفاقم الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية الأخيرة.

وأشير في هذا السياق، إلى واقع مؤسف، وهو أنه في أفريقيا فقط، يواجه واحد من كل خمسة أشخاص خطر الجوع، وتظل القارة مستوردا صافياً للغذاء بتكلفة سنوية قدرها 43 مليار دولار.

ومن هنا؛ فإننا نشدد على ضرورة التعامل مع تلك الأزمة بطرح استراتيجية متكاملة تستهدف أسبابها الجذرية، وذلك من خلال تطوير نظم الزراعة والغذاء المستدامة، وتلبية الاحتياجات العاجلة للدول النامية المستوردة للأغذية، وضمان مشاركة منتجاتها في سلاسل الإمداد دون عوائق، لا سيما من خلال تطوير ونقل التكنولوجيا الزراعية.

كما نؤكد أهمية دعم أنظمة الإنذار المبكر حول انعدام الأمن الغذائي، وتعزيز إمكانات تخزين وتوريد الحبوب.

وفي هذا الصدد، فإن بلادي، ومن خلال موقعها الجغرافي الفريد، تعلن عن استعدادها للتعاون مع المجتمع الدولي من أجل إنشاء مركز دولي لتخزين وتوريد وتجارة الحبوب في مصر، إسهاماً في صون الأمن الغذائي العالمي.

السيد الرئيس، إن دورة الجمعية العامة الحالية اتخذت لها عنوانا يعكس فهما عميقا لما بات يعانيه عالمنا من أزمات وتحديات، ولا شك أن هذا العنوان – “البحث عن حلول جذرية للتحديات المتشابكة” – ينطبق أكثر ما ينطبق على أزمة تغير المناخ.

إن مصر، بصفتها رئيس الدورة القادمة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، تتوجه بنداء صادق لكافة أعضاء الأسرة الدولية: دعونا نضع تعهداتنا والتزاماتنا موضع التنفيذ، وندعم الدول لنامية والأقل نموا في جهودها لمواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ، فهي الأكثر استحقاقاً واحتياجاً لذلك، إعلاء لمبادئ الإنصاف والمسئوليات المشتركة متباينة الأعباء.

ومن ثم، فإننا نتطلع خلال مؤتمر أطراف تغير المناخ الذي تستضيفه مصر بعد أسابيع، إلى الخروج بنتائج تساهم في الإسراع من وتيرة التنفيذ على كافة الأصعدة، لتأكيد التزام المجتمع الدولي تجاه جهود مواجهة تغير المناخ، بما في ذلك خفض الانبعاثات ورفع القدرة على التكيف والتعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، والأهم، رفع طموح تمويل المناخ، والعمل على تنفيذ تعهد مضاعفة التمويل الموجه إلى التكيف وتوفير 100 مليار دولار سنويا وكذلك الانتقال العادل إلى الطاقة الجديدة.

إن قدرة المجتمع الدولي على المضي في تنفيذ أهداف باريس، وخاصة هدف وقف الارتفاع في معدل درجات الحرارة العالمية، ترتبط على نحو وثيق بالخروج بنتائج ملموسة في مؤتمر شرم الشيخ، بما يؤكد لشعوبنا أن مواجهة تغير المناخ لاتزال تحتل موقع الصدارة على قائمة الأولويات الدولية رغم كافة التحديات التي يواجهها عالمنا، وتؤكد مصر في هذا الإطار أنها لن تدخر جهدا لتوفير جميع الظروف المواتية لذلك.

السيد الرئيس، يظل الأمن المائي أحد أهم التحديات التي تواجه عالمنا اليوم، لا سيما في منطقة الشرق األوسط والقارة الأفريقية التي تقع بعض دولها في أكثر مناطق العالم جفافاً وتصحراً. والمؤسف في هذا الأمر أن هذه المعاناة الإنسانية الجسيمة قد لا تكون بالضرورة بسبب نقص الموارد أو تراجع كميات الأمطار فحسب؛ ولكنها قد تعود بالأساس إلى عدم الالتزام بأحكام القانون الدولي، ورغبة بعض دول المنابع في الاستئثار بالمورد المائي، بما يحرم دول الممر والمصب من نعمة إلهية ممنوحة لخير الجميع وليست حكراً على شعب دون آخر.

ويخطئ البعض إذا تصور أن التمسك بتطبيق الوسائل السلمية لتسوية النزاعات المائية يأتي من قبيل  الضعف، بل إنه ينبع من مكامن قوة، وقدرة على صون الحقوق وحفظها من الضياع أو التفريط، وإدراك مسئول للآثار السلبية للصراعات على الشعوب قبل الحكومات وفي هذا الإطار، فإن مصر، التي تقر بحق الشعب الإثيوبي في التنمية، ومازالت على مدار ما يتجاوز عقدا كاملا متمسكة بضبط النفس، تؤكد أن ذلم لم ولن يعني أبداً التهاون في حق الشعب المصري في الوجود، الذي ارتبط بنهر النيل منذ فجر التاريخ، مهداً للحضارة وشرياناً للحياة.

إنني أؤكد على ضرورة التوصل دون تأخير أو مماطلة إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، طبقا لاتفاق إعلان المبادئ الذي اتفقت عليه الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، في مارس 2015 بالخرطوم، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021 .فهذه الدول الثلاث ذات سيادة، ويتعين أن تلتزم بما اتفقت عليه، وأن تنفذه فعلاً وليس قولاً. ومساهمة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين؛ فإن مصر  تدعو المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الفاعلة على الصعيد الدولي، إلى العمل على تطبيق قواعد القانون الدولي ذات الصلة، صونا لمصير وحقوق 250 مليون مواطن مصري وسوداني وأثيوبي.

السيدات والسادة، إن التوصل إلى حلول نهائية لأزمات جوارنا الإقليمي يظل ركناً أصيلا في بناء منظومة دولية آمنة ومستقرة، وفي مقدمة ذلك تأتي ضرورة التوصل إلى حل تفاوضي عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، على أساس مقررات الشرعية الدولية وحل الدولتين، بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع وقف أية إجراءات أحادية من شأنها تغيير الحقائق على الأرض، وتقويض فرص الحل النهائي.

وانطلاقا من مسؤولية مصر في مساندة أشقائها، فإنها تواصل جهودها الداعمة للحلول السياسية بموجب المرجعيات الدولية، في كل من سوريا،ولبنان، واليمن، والسودان، بما يحفظ وحدة وسلامة وسيادة ومقدرات هذه الأقطار الشقيقة، وينهي التدخلات الخارجية في شئونها.

وفي هذا السياق، تستمر مصر في دعم جهود الأشقاء في ليبيا لإنجاز الإطار الدستوري، حتى يتسنى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت، على ضوء انتهاء المرحلة الانتقالية. وتثمن مصر في هذا الصدد دور البرلمان الليبي المنتخب، كما تشدد على أهمية خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وحل الميليشيات المسلحة في مدى زمني محدد، بما يسهم في استعادة ليبيا لاستقرارها المنشود.

لقد عانت منطقتنا طويلا وآن لها أن تتخلص من كل هذا العناء، وأن تعلي مصالح شعوبها على نزعات التفرد بالسلطة وحيازة الثروة، وأن تضع حدا لكل من يسعى إلي أن ينال من وحدتها أو يهدد أمنها القومي.

السيد الرئيس، السيدات والسادة قبل أن أختتم حديثي إليكم، أود أن أشير بشكل خاص إلى ما يمثله التضامن من قيمة أساسية نحن أحوج ما نكون إليها في واقعنا الراهن، ولعل في تخصيص الجمعية العامة للأمم المتحة يوماً دوليا  للتضامن الإنساني في العشرين من ديسمبر من كل عام، دليلاً على أهمية تشجيع المبادرات الجديدة للقضاء على الفقر والاحتفاء بالوحدة في إطار التنوع، وهو ما يدلل على الاهتمام الذي توليه المنظمة الأممية للتضامن كقيمة لا غنى عنها، ليس فقط للمساهمة بفاعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولكن أيضا لمواجهة التحديات الناشئة ومعالجة التفاوت في مستويات التقدم الاقتصادي؛ فقيمة التضامن ستظل مبعثا للأمل، ونورا للرجاء، في، وثقة في غد أفضل لن يتحقق إلا ونحن جميعاً معاً، يداً واحدة تبني وتعمر، وتدفع الشر والسوء عن شعوب تواقة للتعايش والتعاون، معاً تحت راية الأخوة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى