أراء ومقالاتالموقع

د. أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص .. هوامش على دفتر الإصلاح (1).. الإصلاح السياسي

لازلنا في إطار الحديث عن ضرورات وأولويات الإصلاح السياسي، التي أتصور أهمية أن تكون على طاولة المناقشات في الحوار الوطني المزمع إنطلاقه قريبا بمبادرة ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبتنظيم الأكاديمية الوطنية للتدريب، وقد أشرت في المقال السابق إلى ضرورة إطلاق عقد اجتماعي جديد يليق بالجمهورية الجديدة، ويقوم على مبادئ المسئولية والحرية، وتنظيم أطر لعلاقة متوازنة بين الحاكم والمحكوم.

كما أشرت إلى بعض الملامح المأمولة لإصلاح الحياة الحزبية، وهي في تقديري جوهر الحياة السياسية كاملة، وأقوى أسس تعزيز الديمقراطية وبناء حالة من التفاعل السياسي السليم، والتعبير عن مصالح الفئات والتيارات المختلفة داخل المجتمع من خلال أدوات التعبير المشروعة، وتعزيز مبدأ التداول السلمي للسلطة.

وأتصور أن كثيرين- سواء من القراء أو من المراقبين للحياة الحزبية في بلادنا- يتفقون معي في أن الحياة الحزبية بصورتها الراهنة، وبكل تحولاتها، منذ إنطلاقة التجربة الحزبية الثانية في 1976، مرورا بمرحلة ما قبل 2011وما بعدها، لا ترقى إلى تلبية طموحات جموع المصريين، ولا تلبي الحد الأدنى من اشتراطات بناء حياة سياسية قوية تقوم على مبادئ التنافس على أساس البرامج، وتعتمد على الكفاءة والجدارة السياسية والفنية، وترتكز على التواصل مع الشارع، والمشاركة الفاعلة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية.

الأحزاب المائة والأربعة التي تمتلئ بهم حياتنا الحزبية أغلبهم كغثاء السيل، مجرد كيانات هشة، وأحزاب عائلية، وواجهات لمصالح شخصية لا يتجاوز تأثيرها أبعد من مقراتها المحدودة، والتي لا يكاد يعرفها أحد.

ولم تقدم معظم تلك الأحزاب رؤية سياسية أو إصلاحية جديرة بالاعتبار، أو تغذي الحياة السياسية بكوادر قادرة على أن تمثل رافدا لبناء كوادر وطنية قادرة.

وأعرف كما يعرف غيري، أن الكثير من تلك الأحزاب ولدت ميتة، وأن غالبيتها كان مجرد “ديكور” لاستكمال الشكل الديمقراطي، دون أن تتوافر لها فرصة لممارسة دور حقيقي، وأن كثير من تلك الأحزاب يفتقر إلى بناء تنظيمي حقيقي أو متماسك، أو إمكانات مادية تمكنها من التواصل مع الجماهير، وهو ما يستوجب التغيير إذا ما أردنا بناء حياة سياسية سليمة وخلق منافسة قوية.

وإذا كان يؤخذ على السلطة السياسية في مراحل متتالية منذ انطلاق التجربة الحزبية الثانية في منتصف سبعينات القرن الماضي إضعافها للأحزاب، وتهميش دورها، فإنه الأحزاب نفسها تتحمل الكثير من أوزار الحالة التي وصلت إليها، فالكثير من الأحزاب فشلت في بناء تحالفات قوية فيما بينها تدفعها إلى أن توحد قواها لتكون رقما معتبرا على الساحة السياسية، بل إن أحلام الزعامة، ومرض حب الظهور، دفعها إلى أن تكون حفنة من الأصفار، اللهم إلاثلة من الأحزاب القديمة، وقليل من الأحزاب الأحدث التي تأسست بعد 30 يونيو 2013.

وحتى التحالفات السياسية والحزبية التي قامت في فترات تاريخية مختلفة، لم تكن دوما في الطريق الصحيح، ويكفي أن نشير إلى تحالفات حزب الوفد مع جماعة “الإخوان” في انتخابات 1984، وهي نفس التجربة التي تكررت مع حزب العمل في 1987، وفي كل مرة كانت الأحزاب تتحول إلى مطية للجماعة الإرهابية، بينما فشلت الأحزاب المدنية في بناء جهة موحدة وقوية للتصدي لتسلل القوى الدينية إلى الساحة السياسية، بل إن بعض تلك الأحزاب لعب دور “حصان طروادة” في دعم وصول “الإخوان إلى السلطة بعد 2011!!

وباستثناء تجربة جبهة الإنقاذ قبيلثورة 30 يونيو 2013، فإن خلافات وصراعات القوى والأحزاب المدنية كانت دائما الثغرة التي ينفذ منها “الإخوان” ومرشحوها في الانتخابات، سواء قبل أن يؤسسوا حزبا أو بعد امتلاكهم لذراع سياسية، فلم يكن مرشحو “الإرهابية”في معظم الأحيان، يحققون الأغلبية إلا من بالاستفادة من صراعات الأحزاب المدنية وإضعاف فرصبعضهم البعض لصالح مرشحي “الجماعة”.

ورغم حالة التمزق التي تعيشها “الجماعة الإرهابية” حاليا، وانقساماتها الظاهرة والباطنة، إلا أن تشرذم الأحزاب السياسية، وغياب أحزاب مدنية قوية، كفيل بأن تتسلل الخلايا النائمة وكوادر الجماعة المستترة مجددا إلى حياتنا السياسية، تحت ستار الأحزاب الصغيرة، وهو ما يجب أن يكون أولوية قصوى على مائدة النقاش، فلا بد من بناء أحزاب تعبر عن تيارات سياسية، لكل منها رؤية واضحة، وتنظيم إداري وفكري محكم، يمكنه من انتقاء كوادر قادرة على التعبير عن فكره وبرنامجه، وبالتالي قطع الطريق أمام المتسللين من العناصر المتأسلمة.

وأتصور أن التوافق السياسي والمجتمعي على استبعاد تجار الدين، وأفاقي الدجل السياسي المتستر بعباءة الدين من المشهد في الجمهورية الجديدة، يحتاج إلى ضمانات قانونية واضحة، بالتشديد على حظر تأسيس الأحزاب الدينية (وهو مبدأ معمول به حاليا في الدستور)، وبشكل واضح وصريح ودون مناورات لفظية كتلك التي يريد البعض أن تبقى ثغرة وبابا خلفيا للنفاذ منها، مثل استخدام مصطلح “مرجعية دينية”، فالدستور الحالي، وكل الدساتير السابقة منذ دستور 1971، تعترف بأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وبالتالي فلا مجال إذن للتلاعب ومحاولة الالتفاف من أجل تمرير قبول الأحزاب ذات المرجعية أو الخلفية أو التوجه الديني، فالأحزاب تنظيمات مدنية مفتوحة العضوية والانتساب والعمل لكل مواطن، بغض النظر عن انتماءاته العقائدية أو العرقية أو مستواه الاقتصادي والاجتماعي.
كما يتطلب إحياء وتفعيل دور الأحزاب، وتقوية تواجدها في الساحة، أمرين بالغي الأهمية: الأول، تيسير وصولها إلى وسائل الإعلام، والسماح لها بعرض برامجها سواء في وسائل الإعلام التي تمتلكها، أو وسائل الإعلام العامة، والثاني يتمثل في وضع ضوابط لتمويل الأحزاب ذاتيا بما يضمن استقلاليتها وفي الوقت ذاته قدرتها على توفير الموارد اللازمة للإنفاق على أنشطتها الجماهيرية، فالتمويل كان ولا يزال إشكالية حقيقية لدى الكثير من الأحزاب، فالغالبية العظمى من أحزابنا لا تجد متبرعين أسخياء من أعضائها، وإن وجدت فإن الأمر غالبا ما يكون مرتبطا بمصالح شخصية لا تخدم بالضرورة أولويات الحزب، أو قضايا الجماهير.

كما أن غياب مصادر تمويل شفافة ومستدامة للأحزاب يجعلها عرضة لتأثير المال السياسي، أي توجيهها لخدمة أصحاب المال الذين قد تكون لهم توجهات ومصالح معينة، تسعى إلى فرضها من خلال سلطة المال، وبالتالي فإن البحث عن مصادر مستدامة للتمويل، وتحت رقابة شفافة من الأجهزة المعنية كفيل بأن يمنح الأحزاب “قبلة الحياة” وألا تعيش في انتظار هبات وتبرعات مشروطةممن يريدون الترشح على قوائمها، أو يستغلون اسمها لمآربهم الخاصة!!

ومن النقاط أيضا التي تحتاج إلى مراجعة وحوار مستفيض، النظام الانتخابي المتبع في إجراء الاستحقاقات النيابية، فالنظام الانتخابي الحالي يعتمد على المزج بين أسلوبي الترشح الفردي، أو بالقوائم المغلقة، وهذه الأخيرة هي ما تحتاج إلى إعادة نظر، فالقوائم المغلقة مفيدة في دعم بعض الفئات الأولى بالرعاية سياسيا، مثل النساء والشباب والأقليات الدينية أو العرقية، وأتصور أن ذلك الهدف قد تحقق بالفعل في الانتخابات الأخيرة سواء بمجلسي النواب والشيوخ. فضلا عن أن حصص تمثيل بعض الفئات مصانة بنصوص الدستور.

وبالتالي فإن الهدف من القوائم الانتخابية المغلقة قد تحقق، وعلينا الآن إذا كنا نريد تحقيق هدف سياسي آخر لا يقل أهمية وهو تفعيل دور الأحزاب وإنعاش مشاركتها في الحياة العامة، أن نفكر في اعتماد أسلوب القوائم النسبية المفتوحة، فتلك القوائمتكفل مزيدا من التمثيل للأحزاب المتنافسة في الانتخابات، كما تضمن عدم إهدار أعداد كبيرة من الأصوات التي لم تصوت للقائمة الفائزة، حيث تُحرم الأحزاب الأخرى من تلك الأصوات وتذهب تلقائيا لقائمة الحزب الفائز بالأغلبية، وهو ما يجعل المنافسة بهذا الأسلوب في كثير من الأحيان أقرب إلى التزكية منها إلى الانتخاب.

اقرأ ايضا للكاتب

د. أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص .. هوامش على دفتر الإصلاح (1).. الإصلاح السياسي

أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص ..هل نحن جيل «منحوس»؟!

د. أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص .. خطايا كهنة «السوشيال ميديا»!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى