الموقعتحقيقات وتقارير

حكايات من زمن السد العالي.. قصة نحات مصري شارك في بناء الصرح وهزم الطليان

كتبت – فاطمة عاهد

في 15 يناير عام 1971 احتفى المصريون بقيادة الرئيس أنور السادات بمشروع عرف على أنه الأهم في مصر، فقد حمى المواطنين من مخاطر السيول والفيضانات، وحافظ على المحاصيل الزراعية من التلف، وحول البلاد من الزراعة الموسمية إلى الدائمة، بينما جلس في ذلك الوقت أحمد حسن نافع ابن محافظة القاهرة ليستمع إلى أخبار افتتاح السد العالي، الذي شارك في تشييده مع آلاف العاملين من كافة المحافظات.

فرحة ممزوجة بفخر اعتلت وجه الراحل عند الاستماع إلى الاحتفاء العالمي بما صنعت يداه هو والعمال من كل أنحاء مصر، وردد في زهو “احنا اللي بنينا السد”، لم يكن أبنائه على دراية بسبب سعادته، لكنهم على مر السنين كانوا يستمعون إلى حكايات “ناس السد”، أثناء الجلوس رفقة أبيهم.

“ولد جدي بمحافظة القاهرة في منطقه البساتين، ذيع صيته وسط المنطقة لأنه كان نحات حجر، وشارك في بناء السد العالي في عمر الأربعين”.. هكذا بدأ أحمد مصطفى حفيد الشيخ الراحل أحمد نافع الذي كان أحد أشهر المشاركين في بناء السد العالي بمنطقة سكنه، وعرف بمهاراته في نحت الحجر، حتى تغلب على أمهر النحاتين من مختلف الدول المتواجدين في المشروع، حديثه لـ”الموقع”.

وصل المبلغ المالي الذي تلقاه “نافع” بمشاركته في العمل على بناء السد، حيث يعد من أبناء الرعيل الأول، إلى حوالي ثلاثة جنيهات، بعدما شد الترحال إلى أسوان بحثا عن فرصة عمل مجدية تقيه حاجة السؤال، وتوفر له راتب جيد يتمكن من خلاله الإنفاق على ذويه.

في إحدى أيام العمل على السد تحدى رئيس النحاتين وكان إيطالي الجنسية “نافع”، الذي شغل وقتها منصب رئيس النحاتين المصريين، حيث أحضر أمهر نحات ليدخل مع الأخير في مواجهة، على أن يحصل الفائز على مبلغ قدره عشرون جنيها، وعلى الفور وافق “نافع” وبدأت المنافسة.

“جدي أنهى الشغل المطلوب منه في وقت قليل جدا، والنحات الإيطالي لم يستطع ذلك، لذا رفض البقاء في مصر، وأصر على مغادرة مكان عمله، رافضا الهزيمة أمام عامل مصري بسيط، وحصل جدي على الـ20 جنيه، وأحضر طعام ووزعه على كافة المتواجدين في الموقع”.. كانت تلك تفاصيل المسابقة التي فاز فيها النحات المصري بجدارة.

يتداول أبناء من شاركوا في بناء السد من منطقة البساتين تلك القصة، التي سردها لهم أجدادهم، ليفخروا بحرفية العمال المصريين، ويذكروا كرم “نافع” الذي أحضر لكل المتواجدين ثمارات من “البطيخ” ووزعها على “المهندسين والصنايعية والعمال”، واحتفلوا بفوزه طوال الليل وسط مديح من أصدقائه، كما نسب له الفضل في تعليم أبناء أسوان نحت الحجارة بخبرته الطويلة في المجال.

“لم يحكي لنا عن أي صعوبات واجهته هو والمشاركين في بناء السد، بل كان يذكر قدرة المصريين على تحويل الحجارة والجبال إلى سد منيع يحمي البلاد من خطر الفيضان والجفاف معا، مؤكدا أنه أعظم المشاريع المبنية بأيادي مصرية”.. بتلك الكلمات وصف حفيد الراحل حديثه عن الصعوبات التي واجهته أثناء المشاركة بناء السد.

ظهر فخر الحفيد بجده جليا في كلماته “أولاده وأحفاده كان بيفتخروا بيه ولحد دلوقتي بنفتخر بيه لأنه رافع راسنا”، ويسرد لقاء جده مع “صنايعية” من أسوان أمام سينما فاتن حمامة، وكانوا يعملون على نحت الحجر، فجذب ذلك انتباهه وذهب لهم للحديث حول مهنته التي أتقنها وأحبها، وعندما بادروا بسؤاله عن مسقط رأسه وأجاب “البساتين” سألوه عن ما إذا كان يعرف الحاج أحمد نافع، مؤكدين تعلمهم الحرفة على يد عمال شاركوا معه في بناء السد ونقلوا خبرته لهم.

ويضيف قائلا “ارتسمت البسمة على وجه جدي، وشعر براحة عارمة، وأكد لهم أنه المدعو أحمد نافع، وكان ذلك قبل رحيله بأربع سنوات في عام 1984، عن عمر يناهز 84 عام، قضاها في العمل على مواقع آثرية مختلفة، ومشروعات يأتي على رأسها السد العالي”، مشيرا إلى أنه قضى سنواته الأخيرة في بناء المقابر دون مقابل واهبا ثوابها في سبيل الله”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى