أراء ومقالاتالموقع

جمال قرين يكتب لـ«الموقع» فى حضرة مولانا الشيخ عبد الحليم محمود

*فى تناول سيرة العلماء والعارفين بالله والزاهدين عن متاع الدنيا القليل أملا فى رضاء الله والنظر لوجه الله الكريم والفوز بجنته عبرة لمن أراد أن يعتبر ‘ وإمام المتصوفين د. عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق – رحمة الله عليه – هو واحد من أبرز علمائه ‘ ألف مايقرب من 100كتاب محورها التصوف وكلها تصب فى خدمة الإسلام .. *ثمة صفات بديعة ميزت الشيخ عن أقرانه فى ذلك الوقت أجملها التواضع والزهد ‘ يقول عن نفسه فى قمة التجرد والمصداقية :

” ولدت فى صحة لابأس بها ‘ الذكاء والعقل والاتزان أحسب أنى فى كل ذلك وسط ‘ إننى وإن كنت غير حاد الذكاء فإنى أيضا لست قوى الذاكرة ‘ ولكننى أقول فى غير فخر أننى لست بليدا ‘ كان ترتيبى دائما فى الدراسة فى أوائل المتوسطين وهو ترتيب أحمد الله عليه ‘ أما الاتزان فيكفينى أننى لست متزمتا وليس بى جمود ‘ وكلما تذكرت حياتى ماضيها البعيد كما وعيته وسيرها المتتابع كما واجهته وحاضرها الراهن كما أعيشه قلت الحمد لله ..

* تميز العالم الورع بجرأته فى قول الحق وزهده فى المناصب الدنيوية الزائلة ‘ يذكر أنه بعد توليه مشيخة الأزهر 1973 بقليل فاجأ الجميع بتقديم استقالته للرئيس السادات بسبب تقليص صلاحيات شيخ الأزهر لصالح وزير الأوقاف ولكن السادات – رحمة الله عليه – رفض قبول استقالته فلجأ الشيخ إلى حيلة أخرى وقدم طلبا لتسوية معاشه هكذا كان د. عبد الحليم محمود شيخ الأزهر لايخشى فى الله لومة لائم ولاتعنيه المناصب من قريب أو بعيد وإنما رضاء الله عنه هو الأهم ، إلى جانب الحفاظ على صورته وكرامته طبعا ‘ * كان الشيخ والإمام الأكبر لايجيد لغة التطبيل أبدا ولايتملق حاكما أى حاكم ‘ اشترط على السادات أن يكون منصب شيخ الأزهر ومكانته فى الدولة وأمام الشعب بدرجة نائب رئيس جمهورية ‘ فدعاه السادات إلى منزله بميت أبو الكوم بالمنوفية وقال له : ” لك ماطلبت ياشيخ عبد الحليم ” * ومن مواقفه الشجاعة أيضا وغيرته على الدين حينما حاولت الدولة تعديل قانون الأحوال الشخصية وتضمن هذا التعديل قيودا ظالمة على حقوق الزوج بخلاف ماقررته الشريعة الإسلامية وقف الشيخ كالأسد ضد إصدار القانون وأعد بيانا قويا يحذر فيه من الخروج على الإسلام وأرسله للسادات ومجلس الشعب وكذلك الصحف ‘ ولم ينتظر حتى صدور القانون فاستجاب السادات وانحاز لرأى الأزهر وشيخه الجليل ولم يحدث التعديل المشئوم ..

* حقيقى كان الأزهر فى عهده منارة للاجتهاد والبحث والانفتاح على جميع الملل والنحل ‘ كما حافظ الشيخ على هيبة الأزهر وعمل على تطويره واستمرار مسيرته وعطائه ليس فقط فى مصر وإنما فى العالم الاسلامى كله
* ومن إنجازات د. عبد الحليم العظيمة لاسترداد مكانة الأزهر التوسع فى بناء المعاهد الأزهرية فقد جاب الشيخ المدن والقرى بطول مصر وعرضها يدعو الناس إلى التبرع لإنشاء المزيد من المعاهد الدينية بعد أن تقلصت أعدادها وأصبحت عاجزة عن إمداد جامعة الأزهر بأعداد كافية من الطلبة الأمر الذى جعلها تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس وهم لايتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام فاستجاب المصريون لدعوته الكريمة وانتشرت المعاهد الدينية فى مصر ‘ واليوم نحتاج أن نكرر هذه الدعوة بزيادة عدد المعاهد ومضاعفتها بالإضافة لإنشاء الكتاتيب ‘ وخيرا فعل فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب بإصدار قرار عظيم بإنشاء مقارئ لحفظ القرٱن الكريم داخل المعهد الازهرية الموجودة فى مصر وإن كنت أتمنى ايضا التوسع فى إنشاء المعاهد الدينية بسبب الزيادة الرهيبة فى عدد السكان والتى تخطت حاجز ال 100مليون نسمة ‘ ولمواجهة الأفكار المتطرفة والضالة ‘ وكذلك مجابهة دعاة تجديد الخطاب الدينى بغير علم لتمييع الدين والنيل من ثوابته الراسخة لخدمة أهداف أجنبية خبيثة ..

* كان الشيخ عالما متصوفا وقريبا من الله جدا ‘ ومايؤكد هذا أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منامه قبيل حرب أكتوبر بقليل وهو يعبر قناة السويس ومعه عدد من العلماء المسلمين وخلفه القوات المسلحة ..

طبعا لم يتحمل الشيخ الوطنى الانتظار حتى تتحقق الرؤيا وينتصر المصريون فذهب على الفور للقاء السادات ليخبره بهذه البشارة العظيمة .. لكن السادات فى هذا التوقيت وبالتحديد يوم الثالث من أكتوبر اى قبل المعركة ب3أيام كان مشغولا جدا بالاستعداد للحرب وأصدر توجيهاته لمدير مكتبه وحرسه بمنع أى حد يريد مقابلته ..

لكن الشيخ أصر على لقاء السادات ليقص عليه رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم برغم محاولة حرس السادات منعه ‘ وأمام إلحاح الشيخ أعطى السادات أوامره بدخول الشيخ فقال له السادات مالذى جاء بك يافضيلة الشيخ وماذا تحمل لنا من خير ‘ فحكى الشيخ للسادات مارٱه فى منامه فاستغرب السادات من كلام الامام لأن ميعاد الحرب كانت سرية للغاية ولايعرفها أحد على الإطلاق سوى نفر قليل جدا ممكن قائد الجيش الفريق أول أحمد إسماعيل على ورئيس الأركان سعد الدين الشاذلى والسادات طبعا ..

* وحينما سرد الشيخ الرؤيا بتفاصيلها فرح السادات وتهلل وجهه واحتضن الإمام الأكبر وهو يبكى من الفرح
أيضا كان للشيخ مواقف شجاعة مع عبد الناصر فبعد عودته من فرنسا وحصوله على الدكتوراه من جامعة السربون كان يرتدى البدلة الأفرنجى غير أنه بعد سماعه خطبة للرئيس عبد الناصر يسخر فيها من الازهر وعلمائه بقوله : إنهم يفتون الفتوى من أجل ديك رومى يأكلونه ‘ فغضب الشيخ وشعر بالمهانة التى لحقت بالازهر الشريف وعلمائه فما كان منه الا أنه خلع البدلة ولبس الزى الأزهرى وطالب زملاءه بذلك فاستجابوا له تحديا لعبد الناصر ورفع المهانة عن الازهر وعلمائه واليوم يخرج علينا كل من هب ودب لينال من الأزهر الشريف وشيخه الإمام الطيب وعلمائه الأجلاء دون رادع أو وازع من ضمير سوى الشهرة والتلميع الرخيص ..

* اهتم الشيخ بمسألة التصوف فألف كتابه الشهير ” قضية التصوف ” و”المنقذ من الضلال” والذى عرض من خلالهما لنشأة التصوف وعلاقته بالمعرفة والشريعة كماترجم لعشرات الاعلام الصوفيين مثل : سفيان الثورى ‘ وأبو الحسن الشاذلى ‘ وأبو مدين الغوث ‘ وغيرهم الكثير .. زاره أحد الصالحين ذات مرة وأهداه صيغة للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصحه بقراءتها إذا حزبه أمر او اشتد به كرب أوهم ‘ وأنصح القراء بحفظ هذه الصيغة وقراءتها وقت اللزوم كروشتة للخروج من أى ضائقة شريطة الإخلاص فى طاعة الله وتجنب نواهيه ولاعيب فقد فعلها شيخنا وهو من هو فكانت له نورا ورحمة وزال كربه : ” اللهم صل صلاة جلال وسلم سلام جمال على حضرة حبيبك سيدنا محمد واغشه اللهم بنورك كما غشيته سحابة التجليات فنظر إلى وجهك الكريم’ وبحقيقة الحقائق كلم مولاه العظيم الذى أعاذه من كل سوء ‘ اللهم فرج كربى كما وعدت : ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وعلى ٱله وصحبه وسلم ”

سلاما على إمام العارفين وابو المتصوفين وسفير أولياء الله الصالحين الشيخ عبد الحليم محمود ابن الشرقية الأصيل والعالم الأزهرى “الوسطى” الجليل نفعنا الله بعلمه وتقواه ..

اقرأ ايضا للكاتب

جمال قرين يكتب لـ«الموقع» مواقف من حياة الشيخ الشعراوى

جمال قرين يكتب لـ«الموقع» عن «السادات» و«النقشبندى»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى