الموقعتحقيقات وتقارير

اوقفوا الجرافات.. التاريخ لن يرحم «ملف الموقع»

التراث سيصبح تراب.. ما سر هدم مقابر القاهرة التاريخية؟..

أستاذ تاريخ إسلامي: مقابر جبانة القاهرة التاريخية حديثة تاريخيًا وعدم إدراج بعضها في قوائم التراثية مبرر الحكومة الوحيد لهدمها للمنفعة العامة

هذه المقابر ذو قيمة تاريخية إسلامية وكانت ستصبح تراثًا فيما بعد إذا تركت لتتجاوز المائة عام

قبة الإمام الشافعي أثر و مستحيل هدمها.. وهذه المقابر اتخذت اسمه نسبة له

السعودية تخترع لنفسها تاريخ وتصنع تراث بلا تراث ونحن نهدم تراثنا “عشان عندنا منه كثير”

ورغم أن مصر دولة إسلامية يتم الاعتناء بالحضارات الأخرى أكثر فهذه المقابر إذا كانت خاصة بالحضارة الرومانية واليونانية لانتفضت هذه الدول

إذا مر وزير السياحة والآثار على هذه المنطقة ودراستها وجدولتها لكان من الممكن عدم هدمها

إشكالية هذه المقابر أن وزارة السياحة لا تعدها أثار و لم تدرج في التراث لذا يمكن لأي حد أن يأخذ تصريح هدم وبناء في هذه المنطقة

نطالب إصدار قرارات رادعة لتأريخ هذه المناطق لأنها تمثل شخصية مصر

 

حالة من الغليان في الشارع المصري، لمطالبة المهتمين بالآثار والتراث في مصر لوقف هدم مقابر جبانة القاهرة التاريخية بمنطقتي السيدة عائشة والإمام الشافعي، خلال الأيام الماضية، وذلك في إطار محاولات لسعي الحكومة المصرية لإنشاء محاور مرورية جديدة للربط بين شرق وجنوب القاهرة عبر هذه الجبانة التاريخية المسجلة في قوائم تراث «اليونيسكو».

وتضم جَبَّانة القاهرة بين جوانبها مقابر بعض الشخصيات الشهيرة، أمثال الإمام ورش صاحب «قراءة ورش» القرآنية، ومقام الإمام وكيع مقرئ الإمام الشافعي، والشيخ محمد رفعت، وعبد الخالق باشا ثروت، والشمسي باشا، وعثمان مصطفى، ومحمد نسيم توفيق.

كما تضم رفات فنانين مشاهير، من بينهم يوسف وهبي، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وأسمهان، وفريد الأطرش، وهند رستم، وصلاح ذو الفقار.

ومن الشعراء تضمّ مقبرة محمود سامي البارودي، الذي خدم وزيراً للحربية، و«شاعر النيل» حافظ إبراهيم، و«عميد الأدب العربي» طه حسين.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمود أبو طه، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية جامعة الأزهر، إن مقابر جبانة القاهرة التاريخية تعد منطقة حديثة تاريخيًا حيث يعود تاريخها إلى أواخر القرن الـ 19 وأوائل الـ 20، أي لم تتجاوز المائة عام ورغم أنها من التاريخ الإسلامي إلا أن عدم إدراج بعضها في قوائم التراثية هو مبرر الحكومة الوحيد لإصدار قرار بهدمها للمنفعة العامة.

وأضاف أستاذ التاريخ لـ «الموقع»، أن هذه المقابر جاءت بعد عصر الخديوي إسماعيل وتوفيق و السلطان حسين والملك فاروق، وكون أنها غير مدرجة في التراث ولها نظير كثير صدر قرار بهدمها، أما قبة “قانصوة” رغم أنها كانت واقعة في طريق محور السادات لم يصدر قرار بهدمها و مستحيل أن يحدث لأنها ذو قيمة تعود للعصر المملوكي أي تجاوزت الـ 120 قيمة.

وأشار إلى أن هذه المقابر ذو قيمة تاريخية إسلامية وكانت ستصبح تراثًا فيما بعد إذا تركت لتتجاوز المائة عام، وكان هناك حل بديلا لهدمها وهو نقل القطع ذو قيمة فنية وتراثية إلى مكان آخر، مثلما تم مع معبد أبو سمبل، ولكن الإشكالية هنا أن وزارة السياحة لا تعدها أثار و لم تدرج في التراث، لذلك يمكن لأي حد أن يأخذ تصريح هدم وبناء في هذه المنطقة، فهذه المقابر إذا كان تم إدراجها في القوائم التراثية كان مستحيل هدمها.

وأوضح أن هذه المنطقة تسمى بمقابر الإمام الشافعي نسبة إلى الإمام، ولكن قبة الإمام الشافعي أثر و مستحيل هدمها، مشيرًا إلى أن الإمام توفى عام 204 أي في أوائل القرن الثالث ميلاديًا، وتم بناء قبة الضريح في العصر الأيوبي أي اتخذت قيمة أثرية وأدرجت في القوائم التراثية لذا لا يمكن هدمها، لذا سيأخذ كل ما يحيط بها ويعارض بناء الطريق الجديد ولن يستطيع المساس بها.

وتابع أستاذ الحضارة إن هذه المقابر ذو قيمة تاريخية إسلامية ورغم أن مصر دولة إسلامية يتم الاعتناء بالحضارات الأخرى أكثر من الإسلامية، فهذه المقابر إذا كانت خاصة بالحضارة الرومانية واليونانية مثل مقابرهم بالإسكندرية لانتفضت هذه الدول.

وأكمل أن السعودية تخترع لنفسها تاريخ، مثل وضع لافتة ” رسول الله مر من هنا أو كان يجلس هنا”، ومثل جدة التاريخية وغيرها تريد أن تصنع تراث بلا تراث، ولكن لأن مصر غنية بالحضارة الإسلامية ” عندنا كثير منه شيل”.

وأضاف أن قبل صدور قرار بإزالة هذه المقابر كان لابد من الدراسة وعرض خبراء أثريين، وعمل جداول بكل ما هو أثري حتى إذا كانت قطعة زجاج أو لوحة زخرفية لنقلها إلى مكان آخر، معلقًا: “إذا مر وزير السياحة والآثار على هذه المنطقة ودراستها وجدولتها لكان من الممكن عدم هدمها”.

وفي النهاية، طالب بإصدار قرارات رادعة لتأريخ هذه المناطق لأنها تمثل شخصية مصر، وكذلك لابد أن يكون للبرلمان دور في الحفاظ على كل ما هو أثر، التاريخ الإسلامي في مصر لم يحظ بالإهتمام بالقدر الكافِ فالكثير من المناطق الأثرية الإسلامية مُهملة”.

البرلمان والصحفيين على خط الأزمة

قالت اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين: «تُعد القاهرة واحدة من المدن التاريخية المتفردة، لذا أُدرجت على قوائم منظمة (اليونيسكو) بوصفها من التراث العالمي منذ عام 1979، اعترافاً من العالم بأهميتها الكبرى، وتأكيداً على ضرورة الحفاظ المتكامل على نسيج المدينة التاريخي وما يمثله من قيم حضارية وثقافية وتراثية مهمة تلعب دوراً بارزاً في تأصيل الهوية وتعزيز الانتماء لدى جموع المصريين، إضافة إلى أن عمليات الهدم تتسبب في القضاء على حقبة كانت شاهدة على تطور العمارة الجنائزية في مصر».

وشددت اللجنة الثقافية على أن «تلك المقابر لا تقل قيمة عن نظيرتها الفرعونية، التي تعمل الدولة على صيانتها وترميمها، وتسليط الضوء عليها؛ لأن كلاً منهما تكمل الأخرى في مسيرة حضارة يشهد لها العالم بثراء التنوع في المدينة الخالدة، كما أن هناك عديداً من البدائل، التي يمكن تنفيذها إذا كانت الدولة ترغب في تيسير حركة المرور بتلك المنطقة، من دون المس بالمقابر التاريخية» على حد تعبيرها.

وبرلمانياً، تقدمت البرلمانية مها عبد الناصر، بسؤال برلماني بشأن «هدم الجبانات في منطقتي السيدة عائشة والإمام الشافعي».

وذكرت مها عبد الناصر أنها «تقدمت بأكثر من طلب إحاطة، سابقاً، بخصوص هذا الموضوع، ووقفت عملية الهدم بالفعل لفترة، ولكن للأسف بدأ أخيراً هدم أقيم مدافن جبانات القاهرة التاريخية وعددها 98 مدفناً لمحو حقبة من تطور العمارة الجنائزية في مصر، والاستيلاء على القطع الثمينة التي تحتويها من تركيبات رخامية أو حجرية وشواهد فريدة تحمل أجمل نماذج الخط العربي، وتخص تاريخ أعيان مصر».

وأوضحت عبد الناصر: «لو تم نقل رفات الشخصيات المهمة لمقبرة الخالدين، لماذا لا نترك المقابر القديمة في مكانها؟».

وكان «الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي»، الذي تنتمي إليه عبد الناصر، قد أدان الأسبوع الماضي «التعدي على تراث القاهرة العمراني في أعمال الإنشاءات التي طالت منطقة جبانات القاهرة الأثرية»، مطالباً «بتنفيذ التزامات الحكومة».

ويذكر أن، مسؤولو وزارة السياحة والآثار دافعوا عن اتهامات هدم الآثار، مؤكدين في تصريحات سابقة أنه لم يُهدم أي مبنى مسجل في قوائم الآثار الإسلامية أو القبطية بالمنطقة.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أصدر قرارًا في يونيو الماضي، بتشكيل لجنة لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر في منطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وذكر المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن السيسي أمر أيضاً بإنشاء «مقبرة الخالدين» في موقع مناسب، لتكون صرحاً يضمّ رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة، على أن تتضمن أيضاً متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى