الموقعتحقيقات وتقارير

انتظروا الطبعة الأخيرة.. هل حان وقت تأبين صاحبة الجلالة؟

>> الصحافة الإلكترونية والسوشيال ميديا وارتفاع التكاليف تنذر بتوقف صحافة الورق

>>«قلاش» : انتهاء الصحافة الورقية ادعاء وبدعة ولن تفقد بريقها

>>«عبد القدوس»: باقي خطوة على القبر .. والأهرام بتخسر 650 مليون سنوياً

>>«عبد الحفيظ»: يجب الابتعاد عن فكرة الأخبار.. والاهتمام بصحافة التحليل والتفسير

>>«شارل المصري»: تعاني من سكرات الموت والصحف فهمت الصحافة الرقمية غلط

>> الصحافة صناعة مهمة مثل صناعة السلاح.. وإحدى ركائز الأمن القومي لأي دولة

تقرير – منى هيبة :

تمر الصحافة “صاحبة الجلالة” بأزمات كثيرة، وغيوم كثيفة تحجب شمسها عن السطوع، وتعيش الصحافة الورقية في مصر أصعب أيامها نتيجة سطوة الصحافة الإلكترونية والسوشيال ميديا وعدم قدرة الورقي على مجاراتها ما يهددها بالاندثار خاصة في ظل الخسائر المادية الكبيرة التي منيت بها..”الموقع” يناقش مع شيوخ المهنة في هذا الملف، أوجاع مهنة صاحبة الجلالة، وهل من سبيل لإنقاذها..

لا يوجد بديل

يحيى قلاش، نقيب الصحفيين السابق، يقول إن القارئ انفض عن الصحف الورقية، نتيجة لفقدانها مصداقيتها وعدم تعبيرها عن القارئ، مما أدى إلى انهيار أعداد التوزيع بدرجة غير مسبوقة في تاريخ الصحافة.

وأضاف «قلاش» أن الصحافة سواء مكتوبة أو إلكترونية أو غيرها، لا تنمو أو تزدهر إلا بوجود مساحة من الحرية، مما يجعل الصحف تتنافس.

وتابع، لدينا اختراع يدعي أن الصحافة الورقية تموت لكي يكون هناك مستقبل للصحافة الإلكترونية، ومحتوي الصحافة هو الأهم سواء كانت صحافة ورقية أو بالفيديو أو صحافة إلكترونية.

موضحا،” إذا وجدنا المحتوي يُقرأ ويعبر عن الأشخاص، فسنجد الوسائل متعددة، مشيراً إلى أن الوسائل تعددت نتيجة لتطور التكنولوجيا، لكن لا يوجد شيء بديل لشيء، فلا لشيخنا القول أن الصحافة الإلكترونية أنهت الصحافة الورقية”.

وأوضح أن العالم كله يختار وسيلة التعبير المناسبة له، فالصحف تحولت إلى صحف إلكترونية، ولكنها كانت في الأصل صحف ورقية.

وأكد «قلاش»، أن هنالك دول تحافظ على الصحف الورقية والصحف الإلكترونية، مشيرا إلى أن الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية لديهم صحف ورقية ولا تزال حتى الآن مزدهرة.

واستكمل” أنه في الماضي عندما تم اختراع التلفزيون، قال البعض إنه سيقضي على الراديو، ولكن بالعكس ظل لكل منهم دوره ولكل منهم مريديه، وتلك القضايا تُعد من قبيل القضايا المشتعلة التي تظهر، لكي تُشغلنا عن التشخيص الدقيق للمشكلة.

استمرت لأكثر من 100 عام

محمد عبد القدوس النقابي المخضرم، وعضو مجلس نقابة الصحفيين لعدة دورات، يقول إن الصحافة الورقأن التي نعرفها في طريقها إلى الاندثار بعدما استمرت لأكثر من قرن من الزمان، حيث عرفناها مع بدايات القرن العشرين الميلادي وحتى الآن.
وأضاف إن اندثارها مسألة وقت لا غير لتحل محلها صحافة الإنترنت أو المواقع الصحفية التي أكدت وجودها بالفعل، وكانت قد بدأت قبل عشر سنوات تقريبا، ويشتد عودها يوم بعد يوم.

أسباب التراجع

ويرى عبد القدوس، أن هناك أسباب عدة من وراء التراجع الضخم للصحف الورقية خاصة في التوزيع والإعلانات، ألخصها في نقاط محددة:

أسباب إقتصادية وترجع بالدرجة الأولى إلى الإرتفاع الهائل في سعر الورق الذي تطبع عليه الصحف، فأضطرت كل الصحف دون إستثناء إلى تخفيض عدد صفحاتها..وهذا الارتفاع بدأ عام 2016 بعد تخفيض قيمة الجنيه أو ما يعرف بتحرير سعر الصرف مما أدى إلى موجة غلاء ضخمة شملت كل السلع بما فيها ورق الصحف، وفق عضو النقابة السابق.

وأضاف’الفيس بوك” ومواقع التواصل وفيها تعرف الأخبار على اختلاف أنواعها وأشكالها لحظة وقوعها سواء في بلدك أو في العالم كله، وهذا يؤدي بالضرورة إلى أن تصبح الأخبار التي تنشر في اليوم التالي بالصحف قديمة “وبايتة”. وحتى كتابك المفضلين تستطيع بسهولة متابعتهم على الإنترنت دون الحاجة إلى شراء الصحف التي يكتبون فيها” .

وبحسب عبد القدوس فالحكومة نفسها لم تعد متحمسة للصحف الورقية، على مايبدو ففي الصحف القومية التي تسيطر عليها حدث إدماج بين أكثر من صحيفة داخل المؤسسة الواحدة، والصحف المسائية كلها أصبحت في خبر كان، وكذلك بعض المجلات التي لها تاريخ عريق مثل مجلة “الكواكب” الصادرة عن دار الهلال.

أيضا، أوضاع الصحافة والصحفيين البالغة السوء، ولها مظاهر لا تخطئها عين مثل ضعف المرتبات عند الغالبية العظمى مما إضطرهم إلى العمل في أكثر من مكان ، وسيادة نظرية الولاء قبل الكفاءة في مختلف المناصب. ونظام الشللية، وعدم وجود دماء شابة جديدة لأن باب التعيينات بالصحف المختلفة حكومية أو خاصة تم إغلاقها بالضبة والمفتاح، بسبب أن أوضاعها المالية وخسائرها لا تحتمل عناصر جديدة، وتعيينات تحملها أعباء إضافية!

وزمان كان إسمها “صاحبة الجلالة ” أو السلطة الرابعة، وتجاوز توزيع بعضها في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين المليون نسخة مثل “أخبار اليوم” الصادرة يوم السبت و “الأهرام” يوم الجمعة..أما الآن فالأوضاع الصحفية في حالة يرثى لها.

وأضاف عبد القدوس، شهدت الأسابيع الماضية أكثر من واقعة تؤكد أن الصحافة المصرية تعاني أزمة شديدة..
الواقعة الأولى عبارة عن “بلوى” والثانية أمر إيجابي لكنه يؤكد أن أكبر جورنال في مصر مش قادر يصرف على نفسه ويعاني من أزمة مالية، ولابد من البحث عن مشروعات إستثمارية تدعمه !

وابدأ بالواقعة الأولى وتتعلق “بالمصري اليوم” كبرى الصحف الخاصة في بلادي .. كانت تعاني في الأسابيع الماضية من مشكلة كبرى بسبب ارتفاع ثمن الورق وعدم وجود إعلانات كافية لتغطية الخسائر، ووصلت الأزمة ذروتها لدرجة إختفاءها لأيام من أماكن عدة، وسألت بائعي الصحف عن الجورنال، وكانت الإجابة واحدة : “منزلتش النهاردة وماتوزعتش “!

وبالطبع أصابني الفزع وتواصلت مع قيادات الصحيفة وأبرز محرريها ، وقال لي أحدهم بالحرف الواحد : للأسف “المصري اليوم” ماعندهاش بابا وماما .. يعني لابد من أن نعتمد على أنفسنا، ولا ننتظر أن تساعدنا الدولة!

وبالفعل أخذوا القرار الصعب في مواجهة الخسائر الرهيبة وهو رفع ثمن الجريدة إلى خمسة جنيهات، وخفض عدد ما يطبع منها، وهذا بالطبع سيؤدي تلقائياً إلى إنخفاض التوزيع، لكن هذا الحل أحسن من بلاش وأفضل من غيره.

الأهرام والبيزنس الخارجي

وكشف عبد القدوس، أن مؤسسة “الأهرام” بجلالة قدرها تبحث عن مشروعات لاصلة لها بالصحافة لتغطية خسائر الصحف التي تصدر عن المؤسسة وكذلك مرتبات العاملين بها ، وهي 65 مليون جنيه شهريا، كما أخبرني رئيس مجلس الإدارة الصديق “عبدالمحسن سلامة” ، حيث تضم أكبر عدد من الصحفيين والعاملين والموظفين في مؤسسة صحفية واحدة !
المهم أن “الصحافة ما بقتش توكل عيش” ولابد من البحث عن بيزنس خارجي وكان آخرها قبل أسابيع توقيع عقد مع شركة كبرى لإنشاء نادي رياضي وإجتماعي في القاهرة الجديدة.

وتساءل عبد القدوس، إذا كان هذا حال “الأهرام”..فما بالك بالمؤسسات الصحفية الأخرى سواء أكانت عامة أو خاصة ولا تملك إمكانيات الأهرام لإقامة مشروعات تجارية تساعدها على البقاء .. وربنا يستر عليها.

أزمة قالب وشكل

محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين، قال إن الصحافة في مصر تواجه مشكلتين، الأولي أنه أصبح لدينا مواقع الكترونية صحفية، ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات، مشيرًا إلى أن كل تلك الوسائل لديهم القدرة على نقل الأحداث أسرع بكثير من الصحافة الورقية.

وتابع «عبد الحفيظ» أن الصحف الورقية في مصر لا تزال تنشر الأخبار والتغطيات التي مر على حدوثها 24 ساعة، لافتا إلى أن الأزمة الأولى التي تواجه الصحافة هي أزمة قالب وشكل المحتوي الذي من المفترض أن يُقدم في الصحافة الورقية.

وأكد، أن الصحافة الورقية لكي تتجاوز هذا المأزق، من المفترض أن تبتعد تماماً عن فكرة الأخبار وتهتم بصحافة التحليل والتفسير، التي تعتبر الوظيفة الثانية للصحافة، بالإضافة إلى نشر مقالات وتحليلات معمقة.

نرشح لك : بعد عودة «غنيم» و «حمزاوي».. هل تسمح السلطة لممدوح حمزة بالعودة إلى مصر؟

وأضاف أنه يمكن لتلك التحليلات والتحقيقات أن تُنشر على منصات إلكترونية، و أن تكون متاحة أمام القارئ، لكن مازال حتى هذه اللحظة قراء لا يستطيعون قراءة عدد كبير من الكلمات على الأجهزة اللوحية.

وأكمل عبد الحفيظ،حديثه أن المأزق الأول الذي يواجه الصحافة مرتبط بنوع المحتوي الذي ينشر في الصحافة الورقية

تكلفة بالملايين

الكاتب الصحفي شارل فؤاد المصري، عضو الهيئة الوطنية للصحافة سابقا، قال..في البداية أؤكد أن الصحافة الورقية انتهت تماما، ومُخادع من يقول أنها تحتاج إلى تطوير، مؤكدًا أن المتبقي منها يعاني الآن من سكرات الموت وحتما ستنتهي سواء أعطينا لها مسكنات أو حتي بعض انواع العلاج التي تطيل من صحتها وليس عمرها لبعض الوقت.

وتابع «المصري»، أنه إذا تحدثنا عن الأسباب لا نتحدث عن المحتوى الذي يقدم في الصحافة الورقية التي يقوم علي بعضها أساتذة وزملاء مشهود لهم بالكفاءة، ولكن إذا تحدثنا عن الجوانب الفنية سنجد أولا أن الشريحة التي تحرص علي مطالعة “شراء” الصحف الورقية المطبوعة هي الفئة العمرية من 50 عام فيما فوق بحكم العادة أو بحكم الحنين للماضي مع الأخذ في الإعتبار أن جزءًا كبيرًا منهم تحول إلى استخدام الهواتف الذكية لقراءة الصحف والكتب أيضا.

وأضاف المصري، أن الجانب الثاني هو أن القطاع المستهدف من النشر الآن جزءٌ منه الشباب وهم فئة كبيرة جداً ولكنها لا تحب استخدام الورق وتحولت عنه لحكم التطور الطبيعي للحياة وهم جيل إلكتروني بامتياز وثقافته سمعية بصرية وسريعة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة في الطباعة سواء الورق أو الأحبار حتى نصل إلى قطع غيار المطابع.

وأكد، أن كل تلك الجوانب ترفع من تكلفة طباعة الصحف الورقية مع أنها لا تُباع بالتكلفة الفعلية لإنتاجها مما يكلف الدولة سنويًا ملايين الدولارات والجنيهات للإبقاء عليها بالنسبة للصحف الحكومية وأيضا الخاصة منها.

وأشار عضو الهيئة الوطنية للصحافة سابقًا، إلى أن الجانب الأخر هو إنخفاض القدرة الإقتصادية لدى الشريحة المستهدفة وهو أمر مكلف خاصة بالنسبة لشريحة الشباب والكبار الذين تعودوا علي شراء الصحيفة الورقية المطبوعة.

• باقة الإنترنت

وتابع “إذا افترضنا أن شخصًا ما أراد شراء صحيفة واحدة كل يوم ستكون تكلفة قراءة هذه الصحيفة الواحدة أكثر من مائة جنيه شهريا في الوقت الذي يستطيع بمبلغ أقل من مائة جنيه أن يشترك في باقة انترنت إحدى شركات الإتصالات وأن يطالع عشرات الصحف في صورتها الإلكترونية وهو في مكانه دون أن يتكلف عناءً ماديًا أقل بكثير مما سيتكلفه بشراء صحيفة واحدة يوميا”.

التحول في صناعة المحتوى

ونوه إلى أن الحل يكمن في التحول الرقمي الذي يجب أن تتحول الصحف الورقية جميعها إليه ” الشكل الرقمي”، ولكن ليس بالشكل الحالي فبعض الصحف تقوم بإعادة نشر محتوي الصحيفة الورقية بشكل رقمي سواء علي موقعها الإلكتروني أو صفحاتها على السوشيال ميديا وتعتبر أن هذا تحولا رقميًا، فهذا أمر مضحك للغاية ويزيد من تكلفة الخسائر.

وأوضح شارل المصري، أن التحول المقصود هو أن تتحول إلى صناعة المحتوي، الذي يعظم من القيمة سواء سياسيًا أو اقتصاديًا او اجتماعيًا أو حتي ترفيهيا أيضا، وليس المحتوى الذي ينشر معظمه الآن وهو من عينة ” اطلالة الفنانة فلانة بالبكيني” أو “الفنان فلان يحذف صور زوجته من حسابه على انستجرام”فهذا النوع من المحتوى وإن كان له جمهوره إلا أنه يؤدي إلى تسطيح المجتمع وخلق فئات تافهة لا تهتم إلا بكل ما هو تافه، إنما المحتوي المقصود هو المحتوى الجاد وحتى و إن كان ترفيهيًا.

وأكد المصري، على أن الصحافة والإعلام صناعة من الصناعات الثقيلة مثله مثل صناعة السلاح، كما أنه صناعة مكلفة وهو إحدى ركائز الأمن القومي لأي دولة، ويجب ألا يقوم عليه هواة ولكن محترفين و سنجد بعدها أن هذه الصناعة أصبحت إحدى ركائز الدولة التي تعتمد عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى