الموقعتحقيقات وتقارير

التلاوة بعد الفاصل.. كيف غزت «إعلانات البيزنس» إذاعة القرآن الكريم؟

أستاذ إعلام: ما يحدث فى إذاعة القرآن «فضيحة» وهناك حالة من «الانحطاط والتدنى» فى الساحة الإعلامية

حالة من الملل والاستفزاز.. الإعلانات تصل لـ 15 دقيقية يوميا فى الفترة الصباحية

البرلمان يدخل على خط الأزمة: الإذاعة محظ أنظار للإعلانات التجارية وهو مالا يتناسب مع جوهر رسالتها

عزوف الكثير من المستمعين عن إذاعة القرآن الكريم بعد الإعلانات المزعجة

تقرير- أسامة محمود

حالة من الغضب والاستياء بين الجمهور والمتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعى، نتيجة لما يحدث فى إذاعة القرآن الكريم بعد أن أصبحت الإعلانات تقتطع جزءا من محتواها الأصلى وهدفها السامى والتنويرى وهو تقديم آيات الذكر الحكيم والأحاديث الشريفة والبرامج الدينية على مدار اليوم .

وخلال الأيام الماضية أثارت الإعلانات على إذاعة القرآن الكريم التى قد تصل يوميا إلى ما يقرب من 20 دقيقة فى الفترة الصباحية فقط جدلا كبيرا، وسط تساؤلات كثيرة لماذا عرفت الإعلانات أو المادة الإعلانية طريقها إلى إذاعة القرآن الكريم؟ ومن المسئول عن هذا الأمر؟ وهل يعقل أن تكون المحطة التي ظلت 50 عاما منذ بدء إرسالها في عام 1964 تقدم آيات القرآن الكريم، دون أن تعرف المادة الإعلانية طريقًا لها حتى عام 2014، أن تظهر عليها إعلانات تبرعات للمستشفيات وحفر آبار المياه، والتأمين على الحياة وغيرها من الإعلانات ؟.

وحسب عدد من المتابعين أن مساحة الإعلانات فى إذاعة القرآن الكريم تصل مدة تتراوح بين 10 إلى 20 دقيقة عن حملات تبرعات لليتامى والمساكين ولانشاء آباء مياه وتبرعات لمرض الكبد، والعيون، وهذا الأمر لا يليق بإذاعة عريقة مثل إذاعة القرآن الكريم.

وتسعى إذاعة القرآن الكريم منذ أكثر من نصف قرن، لتحقيق الهدف الأسمى والأساسي وهو تعريف المستمع بصحيح الدين الإسلامى وما يحتويه كتاب الله عز وجل والسُنة المشرفة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من تعاليم تسمو بالفرد والمجتمع، وحافظت هذه الإذاعة الرائدة منذ انطلاقتها على أن تكون صاحبة بصمة في تقديم تلاوات القرآن الكريم بأصوات لا تزال تعطر أسماعنا بكلام المولى سبحانه وتعالى، ولكن مانشاهده الآن من تداخات إعلانية تمتد لفترة من الوقت على مدار اليوم بشكل فج يشوه الإذاعة العريقة، دون تدخل من القائمين على اتحاد الإذاعة والتليفزيون.

وانتقد رواد التواصل الاجتماعى ما يحدث فى إذاعة القرآن الكريم خلال الفترة الأخيرة من بث الإعلانات عبر المحطة الرائدة والتى تعد الإذاعة الأكثر استماعا على مستوى الوطن العربى وتشكل وجدان المستمع المسلم، خاصة بعد أن اصبحت الإعلانات تسيطر على الإذاعة العريقة وتحديدا فى الفترة الصباحية والتى اعتاد المواطن المسلم الاستماع إليها فى المواصلات، السيارة، العمل، الهاتف الشخصى، ولكن فى الفترة الأخيرة بعد البعض يعزف عن سماع إذاعة القرآن الكريم نتيجة للحملات الإعلانية التى تبث على المحطة وحالة الملل التى يشعر بها المستمع من كم الإعلانات وطول مدته على محطة المنوط بها تقديم القرآن الكريم والأحاديث الشريف والبرامج الدينية

الغريب أن كم الإعلانات على إذاعة القرآن الكريم خاصة بجمع التبرعات لعلاج المرضى، وبناء المستشفيات، وتبرعات لإنشاء آبار مياه فى الوجه القبلي والبحرى، والتأمين على الحياة من حوادث الطرق والنقل والمواصلات فاق التوقعات وأصبح أمر ممل وكلها إعلانات محبطة ومملة للجمهور الذى اعتاد أن يسمع من محطة القرآن الكريم ، قراءة القرآن والأحاديث والابتهالات والمدائح النبوية وهو ما ادى إلى عزوف الكثير عن الاستماع لإذاعة القرآن الكريم.

كما هاجم النشطاء المسئولين عن الإذاعة المصرية وتحديدا “ماسبيرو” بعد السماح لدخول الإعلانات عبر الإذاعة والتى تتم تحت إشرافهم من أجل الحصول على الأموال .

وحسب تصريحات مصدر بـ “ماسبيرو” رفض كشف هويته أن الهجوم على الإذاعة جاء بعد تعرض مبنى الإذاعة والتليفزيون لأزمة مالية كبيرة خلال السنوات الماضية ومحاولة القيادات بالقطاع الاقتصادي في ذلك الوقت العمل على جلب موارد مالية والاستفادة من كل المحطات والقنوات في المبنى.

وتابع أنه ، تلاحظ للقائمين على القطاع الاقتصادى الإقبال الشديد من الوكالات والمعلنين من خلال رغبة ملحة لوضع إعلاناتهم في المحطة الدينية الأولى في مصر، ما كان سببا في الموافقة على بث مواد إعلانية في عام 2014 حيث أرسل القطاع الاقتصادي باتحاد الإذاعة والتليفزيون قبل أن يتم استبداله بالهيئة الوطنية للإعلام خطابا لرئيس الإذاعة آنذاك عبدالرحمن رشاد بإدخال الإعلانات لشبكة القرآن الكريم، حيث تلقى طلبات بإعلانات على الشبكة نظرا لما تحققه من نسب استماع كبيرة من الممكن أن يتم استثمارها فى إدخال ربح للتليفزيون المصرى.

ومع تفاقم الاحتجاج والغضب على ذلك القرار كان التراجع من قبل وزيرة الإعلام السابقة درية شرف الدين وايقافها بث تلك المواد الإعلانية على المحطة؛ ولكن ومع تفاقم الأزمات المالية واستمرار الضغط من قبل الوكالات والمعلنين، واحتياجا للأموال اضطر قيادات الوطنية للإعلام للموافقة مرة أخرى على إعادة عرض القطاع الاقتصادي لبث مواد إعلانية في إذاعة القرأن الكريم، مع اتخاذ عددا من الضوابط الصارمة في متابعة ومراجعة المواد الإعلانية والحصول على موافقة برامجية من الإذاعة اولا تفيد بمناسبة موضوعات الإعلان لطبيعة المحطة وعدم الانتقاص من قدرها نهائيا .

نرشح لك : كيف يرفع الله عنّا الحزن كما فعل مع النبي في ليلة الإسراء والمعراج؟.. «أسامة قابيل» يوضح لـ «الموقع»

من ناحيته يقول الدكتور حسن على أستاذ الإعلام وعميد كلية الإعلام جامعة السويس الأسبق، إن مايجرى فى إذاعة القرآن الكريم خلال الفترة الأخيرة يعد “فضيحة” والتى انحرفت عن مسارها خاصة أنها باتت تجمع أموال من خلال إعلانات تبث عليها على مدار اليوم، قائلا: للأسف الإذاعة المصرية “تاجرت” بأفضل شىء عندها وهى إذاعة القرآن الكريم الأعلى مشاهدة واستماع فى الإذاعات العالمية، مشيرًا إلى أن إذاعة القرآن الكريم “اتبهدلت” بالأسلوب غير مسئول فى الوقت الحالى .
وأضاف “على” فى تصريحات لـ”الموقع “أن “اللهث” وراء الأموال هو نتيجة طبيعية لما يحدث فى إذاعة القرآن الكريم فى الوقت الحالى من اقتطاع وقت من الإذاعة المصرية التابعة للدولة التى يستمع إليها الملايين.

وأوضح أنه هناك حالة من “الانحطاط والتدنى” فى الساحة الإعلامية، مشيرًا إلى أنه تحدث كثير وغيره من أساتذة الإعلام والخبراء والأكاديمين والمهنيين ولكن لا حياة لمن تنادى قائلا: القائمين على إدارة الإعلام فى مصر مرحبين بهذه الأوضاع” لافتا إلى أننا نتحدث ليلا ونهارا ونقدم توصيات لمعالجة هذه الأمور وغيرها من الموضوعات فى كل البرامج والجامعات والمحافل ولكن سلطة القرار “مرتاحة لهذه الموضوعات” .

ودخل مجلس النواب على خط الأزمة وما يجرى فى إذاعة القرآن الكريم، إذ تقدمت صفاء جابر عيادة، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى المستشار حنفي جبالي رئيس المجلس، موجه إلى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بشأن تراجع تأثير إذاعة القرآن الكريم في الآونة الأخيرة.

وقالت “جابر”، إن إذاعة القرآن الكريم تحظى بجمهور واسع من المستمعين في مصر وامتد ليصل إلى العالم العربي والإسلامي، والتي تعد بمثابة قوة مصر الروحية، وتُعد إذاعة القرآن الكريم أول إذاعة من نوعها والأقدم على مستوى العالم بين إذاعات القرآن الكريم، فهي تسلط الضوء على الدور الحضاري والثقافي الإسلامي، ليس فى مصر فقط بل الوطن العربي ككل.

وأكملت “جابر”، يأتي هذا التعلق الجماهيري بهذه الإذاعة، لكونها تبث على مدار الساعة آيات من الذكر الحكيم، فيجد الإنسان نفسه يعيش فى خلوة خاصة بينه وبين ربه، فيستمع لكبار المقرئين، وفواصل التواشيح بصوت النقشبندى وطوبار، كما يستمع على مدار اليوم إلى دروس دينية لكبار علماء الأزهر الذين يمثلون التيار الوسطي المعتدل في تناول أمور الدنيا والدين.

وأوضحت، أنه من الملاحظ غاب التنوع في برامج الإذاعة والتحديث فيها، بحيث تحتاج إلى أن تضع برامج تلاوة متنوعة دون تكرار على النسق ذاته يوميًا، كما تحتاج إلى إضافة برامج دينية توعية تخاطب مختلف الفئات المجتمعية ومن بينها الشباب، وأخرى برامج حياتية تتناول موضوعات يتوجب التصدي لها لإزالة ما لحقها من فهم خاطئ أو تأويل فاسد، مع تنوع في المقرئين.

واختتمت “جابر”، كما أنه من الملاحظ خلال الفترة الأخيرة، أصبحت إذاعة القرآن الكريم، محظ أنظار للإعلانات التجارية وهو مالا يتناسب مع جوهر رسالتها السامية ولا حتى مع مكانتها فهي ليست إذاعة ربحية، والأدنى من ذلك، نجد أن هذه الإعلانات يتم تغليفها فى غلاف إسلامي بآيات من القرآن الكريم أو السنة الشريفة، وهي أمور تحتاج إلى مراجعة، كما نحتاج إلى خطة لتطوير إذاعة القرآن الكريم حتى تعود إلى سابق عهدها.

يشار إلى أن إذاعة القرآن الكريم انطلقت في القاهرة كأول إذاعة دينية في العالم عام 1964 بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر لإذاعة القرآن بصوت الشيخ محمود خليل الحصري عبر موجة قصيرة، ثم بعد ذلك توالت التطورات فيها ليذاع القرآن بعد ذلك بأصوات كبار ورواد المقرئين في العالم العربي والإسلامي أمثال عبد الباسط عبد الصمد ومصطفى إسماعيل وصديق المنشاوي ومحمد رفعت وغيرهم ممن أصبحوا علامات لهذه الإذاعة.

وتطور الأمر من مجرد بث القرآن إلى تقديم برامج دينية لشرح وتفسير القرآن ومناقشة أمور الدين الإسلامي، وشهدت الإذاعة طفرة كبيرة في بثها إبان حرب أكتوبر عام 1973، وزادت فترة بثها حتى وصلت إلى 24 ساعة يوميا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى