أراء ومقالاتالموقع

إيرينى سعيد تكتب لـ«الموقع» عن “مكيافيلى” وإتهامات بتشويه السياسة والساسة

حتى وقتنا هذا، لم يكن بإمكاننا الجزم بدوافع “نيكولو مكيافيلى” “Machiavelli آنذاك، وتحديدا عام 1532 حينما قدم نصائحه إلى لورينزو الثانى دى ميديشى حاكم فلورانسا، والتى دونت فى كتابه تحت عنوان “الأمير”، وفيها تمكن إلى _ حد معين_ من فصل الأخلاق عن السياسة وربما الساسة أيضا، حيث يؤكد مكيافيلى لميديشى ضرورة التمسك بالقوة والدهاء من أجل بقاء الحكم واستمراره، داعيا إياه إلى المكر والخديعة، مع عدم الوفاء بالعهد، وكأن فى ذلك النجاة!

يستمر مكيافيلى فى توصياته لميديشى، بانتقاء أبشع الصفات، مشددا على التحلى بها، والتخلص من الكياسة والتواضع، حتى القيم الدينية هى فى المحظورات أيضا!، والأهم فى وجهة نظره هو إرهاب الأفراد وجعلهم يشعرون بالخوف تجاه الحاكم!.. ومنه تتوفر لدى الحاكم العظمة والمهابة!

يستطرد مكيافيلى فى تذكرة الحاكم، بسابقيه من الحكام والأمراء، وإخفاقاتهم نتيجة لتهاونهم فى استعمال القوة والقبضة الحديدية، حتى حينما توجه مكيافيلى لبعض المفاهيم السليمة كالفضيلة والسلام، رسخها على أضدادها، أى أن بدون الحرب لن يكون هناك سلام!

قناعات ودوافع مكيافيلى فى هذا الفصل بين القيم والسياسة، تستوقفنا هنا!.. فهل الفيلسوف الإيطالى والمفكر السياسي، والذى ولد عام 1469، بفلورانسا وإبان استقلالها، كان بالفعل قد وصل إلى درجة من الإدراك السياسي؟!، جعلته يوقن جيدا أن أصول الحكم تكمن فيما قدمه من خبث ودهاء سياسي فى صورة نصائح ووصايا، أم ماحدث من إسفاف بالسياسة العلم والفكر وأصول نظم الحكم، كان مجرد محاولة للتقرب من الحاكم، الذى طالما انتقده الفيلسوف خلال منفاه‘ وقبيل توليه مقاليد الحكم.

وربما ظروف إيطاليا المهترئة وقتها، كانت تحتاج هذه القبضة الحديدية، أو حتى نظم الحكم المطلق السائدة واجتاحت أوروبا، دفعت المفكر السياسي إلى تبني هذه القناعات، البعيدة كل البعد عن القيم ونصوصها.

من المؤكد أن عملية فصل المبادئ والقيم عن السياسة التى اعتمدها مكيافيلى، اعتبرت من أسوأ ما أدرك السياسة والساسة على كافة المستويات علميا ..فكريا..ونظريا، بل أن تطبيق المنهجية السابقة، كان كفيلا بسيادة نظم قهرية وحقب مظلمة لعقود، حتى أن موسيلينى وهتلر وأمثالهم لم يترددوا فى الاستعانة بهدة المفاهيم ومضامينها.

وبالرغم من سيادة أفكاره وسيطرتها بدايات القرن التاسع عشر، إلا أن مكيافيلى_ صاحب العبارة الشهيرة” الغاية تبرر الوسيلة”_ لم يتوقع أن الكتاب والمعنون ب “الأمير” قد يعصف بتاريخه، وأن يٌتهم ميكافللي ومنهجيته بتشويه السياسة العلم والفكر، بل أن يعد ضمن واضعى بذور التأطير لها فيما يعرف بDirty Game ، حتى أن المكيافيليةMachiavellianism_ نسبة إلى مكيافيلى_ أصبحت وصمة فى جبين أى سياسي انتهز فرصة أو حاول وقيعة وتربص، والمؤسف بحق هنا.. أن علما بحجم وقيمة وأهمية علم السياسة، في حياة الشعوب والمجتمعات، يتم وضع الحواجز بينه وبين القيم، ومن ثم يعترف مكيافيلى بالقوة والسلطة، غير عابث بالشرعية أو غيرها من مفاهيم الديمقراطية والليبرالية الحديثة، ولعل اللافت.. هو اعتبار مكيافيلى نفسه كأهم منظَرى عصر النهضة!.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى