أراء ومقالاتالموقع

إيرينى سعيد تكتب لـ«الموقع» ديمقراطية عكس الإتجاه

من جديد تواصل الولايات المتحدة تنصيب نفسها كحارس للقيم أو كما يطلق عليها شرطى العالم، مستعينة بمجموعة من المحاور تركز معظمها حول مواجهة الاستبداد العالمى ومحاربة الفساد، مع تعزيز قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ليعقد بموجبها المؤتمر الدولى والذى ترأسه الرئيس الأمريكى جو بايدن، شارك فيه أكثر من 100 دولة، وخلاله أكدت أمريكا على التزامها بالانخراط فى قضايا المنطقة، ربما فى إحياء لمشروعها القديم ” دمقرطة الشرق الأوسط” وإن أشارت هذه المرة إلى صعوبة تحقيق الديمقراطية المثالية، وأن المرجو هى معايير الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

ولا شك فى أن الشعوب نفسها وقبل الأنظمة الحاكمة تتحرك فى إتجاه مناشدة الديمقراطية بأركانها المتكاملة، كما تسعى إلى تطبيقها وفى كافة صورها، كوسيلة أساسية وفعًالة فى تحقيق الرخاء، غير أن هذه الديمقراطية المركبة والشديدة التعقيد، وبخصائصها المتعارف عليها التى ذكرها Dhal، وأبرزها،كفالة الحقوق والحريات العامة.. ضمان حق الشعوب فى تحديد مصيرها.. مع تحقيق المساواة والتنمية المجتمعية .. تثيقف وتوعية المواطنين.. توفر الشرعية مع مشروعية نظام الحكم.. وغيرهم ، لو وُظفت أو خرجت عن أطرها المعقولة، سوف تأتى بنتائجها العكسية، هذا إن لم تستخدم كأداة للتراجع أو هدم ما تم التوصل إليه من استحقاقات وخطوات جادة على الطريق الصحيح.

ولعل السيولة الحزبية وعدد الأحزاب المتزايد، دون كوادر سياسية تذكر أو حتى نماذج حزبية يعتد بها_ اللهم فيما ندر_.. مع إقحام المواطن العادى، وربما البعيد عن السياسية ودهاليزها فى استفتاءات وانتخابات تحديد مصاير وترتيب أولويات.. ناهيك عن الحراكات السياسية النشطة والمتسارعة والكفيلة بخلق حالة من عدم الاستقرار.. توجيه الرأى العام من قبل الأدوات الإعلامية تحيزا لإتجاه سياسي على حساب غيره من الإتجاهات ..والأقسي توظيف قيمة الديمقراطية واستخدامها من قبل الخارج في صورة إملاءات والتذرع بها من أجل اقتحام سيادة الدول، جميعها تأتى كالشواهد على أن الديمقراطية قد تسهم وبشكل قوى فى تراجع الأوضاع وانتكاستها.

وربما من الملفت تراجع النظم الغربية التى عرفت بالديمقراطية يوما، عن هذا النحو الديمقراطي، وانسياقها بعيدا منتهجة معايير غياب الديمقراطية، وأبرزها التشكيك فى الشرعية، والانقضاض على النهج السلمى لتداول السلطات مع الافتقار للفصل بينها، والأدهى اقتصار النظم الحزبية الكاملة على حزبين أو ثلاثة بالأكثر، وإن كانت هذه الديمقراطية عملية نسبية بالأساس، فما يعد نظاما ديمقراطيا بمعايير معينة ولمجتمعات بخصائص معينة، يعد نظاما شموليا بالنسبة لمجتمعات بخصائص أخرى، فهى ليست نمطا واحدا، بل على العكس تقتضى العديد من التغييرات.

وقد تفشل التحولات الديمقراطية فيما تسعى من أجله، سواء إصلاح نظم أو إحلال نظم مكان أخرى، ويحضرنا معاناة الشعوب العربية، فى الفترة مابعد 2010، والإصرار وقتها على الاستعانة بالديمقراطية كتجربة متكاملة، فى ظل توافر الإرادات الشعبية والجماهيرية دون أدنى خبرة أو الدراسة، الأمر الذى وصل إلى حد فشلت عنده نظم بعينها من تحقيق المعادلة السياسية واستيعاب الكافة، ولا زالت تبحث عن مخرج.

الأفضل أن تستقر الديمقراطية، فى صورتها المعقولة النسبية، بعيدا عن أوهام التطبيق الكامل، وهنا يحسم جان جاك روسو الأمر بقوله، إذا أخذنا الديمقراطية بمعناها الدقيق فإن الديمقراطية الحقيقية لم توجد أبدا، ولن توجد. ولو كان هناك شعب من الآلهة لحكم نفسه بطريقة ديمقراطية. فهذا النوع من الحكم الذى يبلغ حد الكمال لا يصلح للبشر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى