أراء ومقالاتالموقع

أشرف مفيد يكتب لـ”الموقع” .. عفاريت القيالة – ١

ستظل حكايات أيام زمان لها سحر خاص ومكانة لا حدود لها فى قلبى فحينما أتذكرها تعيدنى على الفور الى سنوات الطفولة والأيام الحلوة والزمن الجميل والناس الذين كانت حياتهم كلها طيبة ونقاء وحب وخير ، على الرغم من عدم توافر حتى ١٪؜ من وسائل الترفيه والراحة التى تنتشر الآن فى كل مكان .فقريتنا لم تكن تعرف “الكهرباء” إلا فى بداية السبعينات وعلى وجه الدقة فى أعقاب انتصار أكتوبر .. فقد شاهدت ولأول مرة فى حياتى عامود الكهرباء يقف وسط الحقول على طول الطريق المؤدى الى بيوتنا وقد تزين بلمبات كهرباء (١٠٠ وات) تظهر فى الليل المظلم على شكل شريط نور طويل ممتد من بداية الجسر وحتى يصل الى بيوتنا وسط ” الزرع” وهو ما كان يمنحنى الشعور بالأمان فقد كنت اعتقد آنذاك وعمرى حوالى ٦ سنوات أن الكهرباء تطرد “العفاريت” التى كانت سيرتها على كل لسان وبقصص مختلفة حتى تحولت مع مرور الأيام الى حقيقة مؤكدة واصبحت على يقين من أن هناك أماكن لا يجب الذهاب اليها حتى فى عز النهار لأنها “مسكونة” بالعفاريت ولا يجب أن يزعجهم فيها أحداً حتى لا “تلبسه” فهى لا ترحم الكبار والصغار على حد سواء.

المهم أن عمال الكهرباء وهم يقومون بتركيب الاعمدة الكبيرة كانوا يقطعون”بقايا” السلك ويلقون بها على الارض ، فكنا نلعب حولهم الى أن يغادروا المنطقة حتى نتسابق فى جمع هذه الأسلاك “الالومنيوم” القوية لنلعب بها ونقوم بتشكيلها ونصنع منها العاباً مستوحاة من الحياة “الريفية” وخاصة أدوات الزراعة مثل “النورج” و”المنجل” و”المحراث”و”الفأس” وغيرها من أدوات الزراعة التقليدية.

وأتذكر أنه فى ذاك الوقت كان يوجد مكان أول الطريق المؤدى الى بيوتنا وسط الحقول ، وكان “منحدر” بشكل كبير من الجسر الرئيسى فى مدخل القرية وكان مليئاً بالتراب الناعم الكثيف لدرجة أن الاقدام تغوص فيه من شدة نعومة هذا التراب، وكان عمال تركيب أعمدة الكهرباء يتركون فيه الكثير من بقايا أسلاك الكهرباء ولكن للاسف الشديد لم أكن قادراً على الذهاب الى هناك لأن جدتى رحمها الله كانت تمنعنى دائماً من الذهاب الى هذا المكان لأنه مسكون بالعفاريت وذات يوم من أيام الصيف وبالتحديد فى شهر يوليو شديد الحرارة سمعتها تصف بشاعة الجو وقت الظهيرة نتيجة شدة ارتفاع درجة الحرارة أنه حتى العفاريت تختفى وتستريح فى وقت “القيالة” وهو الرقت الذى يطلقون عليه الآن “بريك” أو استراحة قصيرة.

المهم ما إن سمعت منها هذه المعلومة عن العفاريت فى وقت “القيالة” حتى قررت على الفور أن أستثمر هذه الفرصة وأذهب الى ذلك المكان للحصول على “بقايا” أسلاك الكهرباء فحسب كلامها لن أجد العفاريت وبالتالى لن اتعرض لأى أذى منهم .. وبالفعل خرجت من البيت والهواء الساخن كان يلفح وجهى ويكاد يشوى جسمى الضعيف ولكن كله يهون أمام الحصول على بقايا الاسلاك الالومنيوم كما كنت سعيداً أيضاً بأننى لن أتعرض لأى أذى من تلك العفاريت على الرغم من معرفتى المسبقة بأن هذا المكان “مسكون” .

وبمجرد وصولى الى هناك غاصت قدماى فى التراب الناعم ، وحدث ما لم أكن أتوقعه على الإطلاق.
وهو ما سوف أوضحه بالتفصيل في المقال المقبل ، طالما كان فى العمر بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى