أراء ومقالاتالموقع

أشرف مفيد يكتب لـ”الموقع” بعنوان “كلام مفيد” .. “برايز .. شلنات” .. أحمدك يارب !!

أشرت فى المقال السابق الى أننى وعلى الرغم من تحذيرات “جدتى” بألا أذهب الى المكان المسكون بالجن والعفاريت ، إلا أن عقلى الصغير فى ذلك الوقت دفعنى لأن استثمر فكرة أنه فى “وقت القيالة” حتى العفاريت تعطى لنفسها “بريك” وتبحث عن مكان فى الظل يحميها من شدة الحر .

ذهبت الى ذلك المكان من أجل الحصول على بقايا أسلاك الكهرباء “الألومنيوم” التى تركها العمال وهم يشدونها على أعمدة الكهرباء حينما ظهرت لأول مرة فى قريتنا مطلع السبعينيات .. وما إن وصلت الى أول الطريق المنحدر من الجسر الرئيسى فى مدخل القرية حتى غاصت قدماى فى التراب الناعم الذى يشبه كثيراً الرمال المتحركة فى بحر الرمال العظيم ، وقتها لم أفكر فى أى شئ سوى الحصول على بقايا أسلاك الالومنيوم حيث كنت اقوم بتشكيلها الى ألعاب صغيرة تناسب عمرى الذى لم يتجاوز ١٠ سنوات وأثناء البحث عن هذه الأسلاك رأيت العجب فقد وجدت الكثير من قطع النقود متناثره فى عدة جهات من الطريق وكانت شديدة اللمعان بشكل لافت للنظر وكأنها لم تلمسها يد من قبل ، وكانت عبارة عن ” برايز” و” شلنات” حسبت تعبيرات ذاك الزمان ، أى فئة عشرة قروش وخمسة قروش ومن فرط فرحتى لم أشعر بقسوة الهواء الساخن فى حر شهر يونية “وقت القيالة” الذى كان يلفح وجهى ، ولم افكر إلا فى جمع أكبر عدد ممكن من هذه النقود وبالفعل ملأت “جيب الجلابية” التى كنت ارتديها .. وكنت كلما مددت يدى لأمسك بقطعة نقود كانت تغوص فى التراب فإمد يدى داخل التراب وأمسك بها ، لا أذكر بالتحديد كم من الوقت مر وأنا أقوم بجمع هذه النقود التى كنت أرى أننى بالحصول عليها سوف أكون قد امتلكت ثروة كبيرة بمقاييس تلك الأيام وبالطبع كان همى الأول والأخير هو أن أدخل السعادة الى قلب جدتى التى كانت تتولى تربيتى باعتبارى الولد “البكرى” فى البيت كله.

المهم شعرت بأن الوقت سرقنى واخذت منى هذه المسألة وقتاً طويلاً حيث فوجئت بأن ملابسى كلها مبلله من شدة العرق الذى كان يتصبب من جميع أجزاء جسمى الذى أتعبه الحر وارهقته الفرحة بهذه النقود التى لم افكر حتى ولو للحظة واحدة فى مصدرها ولا سألت نفسى كيف ان مثل هذا المكان “المقطوع” يتحول وبقدرة قادر الى مصنع لسك العملة .. ملأت جيبى بما استطعت جمعه من هذه النقود وشعرت بأن جيبى والذى كنا نطلق عليه أيام زمان اسم “السيالة” قد أصبح ثقيلاً بالقدر الذى يمكن أن يسبب لى إعاقة فى الحركة أثناء العودة .. وعلى طريقة “على بابا” فى قصته الشهيرة ، قررت الإكتفاء بما جمعته بحيث أذهب به لاسلمه لجدتى ثم أعود مرة ثانية وربما مرات و مرات للحصول على المزيد من هذه النقود شديدة اللمعان والبريق .. وقتها نسيت كل شئ .. نسيت أصلاً السبب الرئيسى وراء مخاطرة الذهاب الى هذا المكان فى عز الحر على الرغم من تأكيدات الجدة أنه مملوء بالجن والعفاريت .

وما أن وقف أمام جدتى وبينما كنت أحكى لها ما حدث بالتفصيل الممل ووضعت يدى فى جيبى ، حتى فوجئت بما لم أن أتوقعه على الإطلاق وهو ما سوف أوضحه بالتفصيل فى المقال المقبل طالما كان فى العمر بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى