أراء ومقالاتالموقع

أشرف مفيد يكتب لـ”الموقع” .. “أنا فى المقصورة الأخيرة”

سنظل دائماً فى حاجه الى وجود “السند” و”الظهر” فى حياتنا ، فمهما كبرنا ومهما جلسنا على “كراسى” مهمة سيظل شيئاً ما بداخلنا يدفعنا نحو البحث عن الشعور بالأمان ، ومهما أوتينا من قوة وجاه سنظل أيضاً نفتش بداخلنا عن “حاجة حلوة” تجعل لهذه القوة “قيمة” حتى ولو كان ذلك كمن يبحث عن إبره وسط كوم قش ، الا أن هذا البحث فى حد ذاته يمنح لحياتنا طعم ولون ورائحة .

وعلى الرغم من أننى كنت قد أعطيت نفسى إحازه بعض الوقت وتوقفت عن كتابة المقالات التى أتناول فيها قصصاً وحكايات قديمة حتى وإن كانت أسطورية ولكنها تأتى على “الجرح” فتمنحنا الحكمة والعبرة وربما أيضاً تكون سبباً فى تعديل مسارات عديدة فى حياتنا ، إلا أن رسالة وصلتنى من أستاذى الفاضل الأستاذ رجب البنا متعه الله بالصحة وبارك فى عمره ، غيرت مسار الكتابة ودفعتنى للعودة مجدداً الى هذا النوع من المتابات التى احبها فقد تضمنت تلك الحكاية قصة منشورة في إحدى الصحف الفرنسية منسوبة لكاتب مجهول ..

هذه القصة مفعمة بالمشاعر الانسانية التى نحن فى أشد الحاجة اليها الآن لتنتشلنا من هذا الإحساس بالغربة والشعور بعدم الأمان الذى يعشش فى وجداننا .. القصة بعنوان :” أنا في المقصورة الاخيرة” وتقول إنه في كل عام كان أهل الطفل “مارتان” يصطحبانه داخل القطار ليذهبا به الى جدته التى كانت تعيش فى منطقة نائية ليقضي معها عطلة الصيف ،

وفي إحدى الأعوام قال لهما : لقد أصبحت كبيرا الآن ، وأريد أن أسافر لوحدي الى جدتي هذا العام.

وافق الأهل بعد نقاش قصير .. وذهبا معه الى محطة السكة الحديد وبينما كانا على رصيف المحطة يكرران بعض الوصايا عليه ، وهو يتأفف : لقد سمعت ذلك منكما الف مرة !! .. وقبل أن ينطلق القطار بلحظة اقترب منه والده وهمس له في أذنه : ” خذ هذه افتحها واقرأها حينما تشعر بالخوف أو بالمرض” ووضع ورقه صغيرة فى جيب طفله .. جلس الطفل وحيداً في القطار دون أهله للمرة الأولى فى حياته سعيداً جداً بأنه قد صار كبيراً ، وأصبح يعتمد على نفسه وظل يشاهد تتابع المناظر الطبيعية من النافذة ويسمع ضجة الناس الغرباء تعلو حوله ، يخرجون ويدخلون الى مقصورته .. حتى مراقب القطار تعجب وسأله كيف يسافر لوحده وهو ما زال صغيراً .. فى هذه اللحظة ارتبك ” مارتان ” وشعر بأنه ليس على ما يرام ، ثم شعر بالخوف يتسلل إلبه كلما شاهد نظرات ركاب القطار نحوه .. فتقوقع على كرسيه ، واغرورقت عيناه بالدموع وبدأ يشعر بالانهيار النفسى، وفي تلك اللحظة تذكر “همس” أبيه فأدخل يده فى جيبه الصغير واخرج الورقة بيد مرتجفة .. ثم فتحها وقرأ ما بها “يا ولدي، أنا ووالدتك في المقصورة الأخيرة في القطار ” نحن دائماً فى ظهرك.

هكذا هي الحياة .. نطلق أجنحة أولادنا ، ونمنحهم الثقة بأنفسهم ، ولكننا نظل دائماً متواجدين في “المقصورة الأخيرة” لقطار الحياة طيلة وجودنا على قيد هذه الحياة .. أطال الله فى أعمار الأباء والأمهات لأنهما بالنسبة للأبناء بمثابة صمام الأمان ومصدراً مهماً للشعور بالإطمئنان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى