أراء ومقالات

أسامة السعيد يكتب لـ” الموقع ” خارج النص ..الدكتور .. “أبو جهل”!!

لو كان أبو جهل حيا يرزق بيننا، لما تورع عن السعي للحصول على دكتوراه فخرية، حتى لو كان في تاريخ “الكُفر”، أو في حقوق “الكفار”!!

ولن يعدم “أبو جهل” ككل الجاهلين من يمنحه ما يريد، فدائما هناك من يعينون الجهلاء على امتلاك الألقاب لعلهم بذلك يداوون إحساسهم بالنقص، أو رغبتهم في التفاخر بما لا يملكون.

وحتى يكون طرحي واضحا من البداية، فإنني هنا لا أتحدث عن أولئك الذين يشعرون أنهم بحاجة إلى التعلم أو السعي لتطوير أنفسهم، فأولئك لا يطرقون الأبواب الخلفية لانتحال ألقاب لا يمتلكون أبسط مقومات الحصول عليها، فمن يريد أن يتعلم حقا، يجد أمامه الكثير من الأبواب الشرعية المفتوحة في الجامعات والمؤسسات العلمية والتعليمية المحترمة، التي يجد بين صفوفها، وبجهده واجتهاده، متسعا لكي يطور ذاته، ويتعلم ما لم تتح له ظروف الحياة أن يحصده في حينه.

أما أولئك “الجهلاء محدثي النعمة، فارغي الروح والعقل، فليسوا على استعداد كي يتعبوا أنفسهم ليتعلموا، وليس لديهم من الأساس ذلك الإحساس بالتواضع أمام سلطان العلم، ليدركوا ما بهم من جهل، فهم دائمايشعرون أنهم أكبر من أن يتعلموا، يملؤهم الخواء، تكاد صدورهم تنفجر من الغرور، بينما هما كالطبل الأجواف، عالي الصوت، ولا يحمل في باطنه سوى الهواء.

“الجهلاء” لا يريدون من العلم سوى صورته و”برستيجه” لأنهم يستشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم “صغار” و”ضحال” العقل، وبدلا  من أن يبحثواعن وسيلة تغذي عقولهم وتثري وجدانهم، يميل الواحد من هؤلاء كأي “فهلوي لعب معاه الزهر” إلى السطو على لقب علمي، يضعه كمقدمة أمام اسمه كي يجعل منه ذا وزن وقيمة، لأنه أول من يدرك أنه “عديم القيمة”!!

وإذا كان “الجاهل” يسعى إلى السطو على أي لقب علمي والسلام، فإن المشكلة لا تقتصر عليه وحده، فهذا في النهايه– ما هداه إليه عقله المحدود، وفكره القاصر، لكن الوزر الأكبر على من يشارك في ذلك “الجرم” ممن يتاجرون بالجهل، ويبيعون الجاهلين ألقابا لا تعكسأية قيمة، بل تجار الجهل هؤلاء ليسوا سوى نصابين يستغلون سذاجة ضحاياهم فيبيعونلهم الوهم، بينما الضحية تشتري الخديعة بكل سرور وافتخار!

كتبت مرارا وتكرارا عن تلك “الدكاكين” التي تبيع الألقاب في مصر، بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يعترف بها قانون، ولا تنظمها لوائح، وتذكروا الكثير من الوقائع التي أثارت استفزازنا وغضبنا قبل شهور وسنين، لكن ذلك الغضب سرعان ما خمد، وعادت “ريما” لعادتها القديمة  تبيع الوهم وتستغل “المغفلين .

ابحثوا عن تلك “الدكاكين” الكثيرة والمنتشرة تحت مسميات متنوعة، تشترك جميعها في بيع شهادات “مضروبة” وألقاب “مسمومة” من عينة  “عضو الأمم المتحدة”، و”خبير حقوق الإنسان”، و”مستشار التحكيم الدولي”، و”المستشار الإعلامي”، و“مستشار العلاقات الزوجية”، أو حتى “المعالج الروحاني”، وغيرها الكتير والكثير من الألقاب “الخزعبلية” التي لا تعكس مهنة محددة، وليست سوى كلمات وأوصاف خاوية من أية قيمة، ليتباهى بها من يريدون إدعاء القيمة واصطناع المكانة بغير حق!!

ومن المخزي أن يتجاوز الأمر حد تلك الألقاب “الوهمية” فتجد الكثير من المراكز والمؤسسات تمنح درجات تصفها بـ“العلمية” من عينة “الماجستير المهني” و”الدكتوراه الفخرية” وغيرها من الأوصاف التي لا يتضمنها أي قانون، ولا تخضع لأدنى رقابة، بل تحولت إلى وسيلة للنصب والخداع، ويمكن طبعا أن نفتح القوس، ونضيف إليها النقابات الوهمية التي تطلق على أنفسها أوصاف مثل النقابات الالكترونية، ومعظمها للأسف يركز على المجال الإعلامي!!

اليوم أدركنا أن تلك العدوى لا تقتصر على مجتمعنا المصري فحسب، بل إن تلك الآفة موجودة في العديد من المجتمعات العربية، وكشفت “زوبعة” الدكتوراه الفخرية في “الرقص والهجص” التي منحها أحد المراكز اللبنانية لمن يصف نفسه بـ”نمبر وان”. – ثم قام بالإعلان عن سحبها منه بعد أقل من ٢٤ ساعة -. ورغم إنكار نقابة الموسيقيين اللبنانية أية صلة لها بالموضوع من قريبأو من بعيد، إلا أن الأمر لا ينبغي أن يمر مرور الكرام،فالقضية أكبر من أن نعالجها بالصمت، واستفحال العدوى يحتاج إلى تحرك حقيقي، خاصة مع تجرؤ أحفاد “أبي جهل” غير المسبوق، فلم نكد نفيق من صدمة المدعو “عمر كمال” ونصائحه لطلاب الثانوية العامة، حتى صدمتنا “دكتوراه” الأخ إياه، وكأن لسان حال الملايين من الباحثين والعلماء الحقيقين عبر أرجاء الوطن العربي كله:سكتنا له دخل بحماره”.

فإذا كان أولئك الباحثين والمتعبدين في محراب العلم، قد صمتوا على اتساع الفجوة الظالمة في التقدير المادي بينهم وبين تلك الفئة من المدعين، والمنتسبين زورا وعدوانا إلى دنيا الفن، وتقبلوا على مضض وأكبادهم تحترق من الإحساس بالظلم، وهم يتقاضون “الملاليم” نظير عملهم المضني لسنوات في محراب العلم، دارسين ومدرسين، بينما يتقاضي أولئك الأدعياء الجهلاء“الملايين” نظير أعمالهم التافهة التي لا تتضمن  قيمة ولا تبني وعيا، بل تفيض جهلا وسوقية وإسفافا، فإن هؤلاء “الجاهلين” لم يكتفوا بمكاسبهم الوهمية، فسعوا إلى السطو على ما تبقى من مكانة اجتماعية واحترام معنوية تصبر به أهل العلم، ويمنون أنفسهم بأن تلك المكانة الأدبية تعوضهم ولو قليلا- عن ذلك الظلم المادي.

لم تعد السخرية التي أطلقها أحد أبطال “مدرسة المشاغبين عندما وصف مصر بأنها “بلد شهادات صحيح” تثير الضحك، بل ربما تثير البكاء المر والحسرة الأمر، فحتى الشهادات باتت تُباع وتشترى، ويستطيع كل من “هب ودب” أن ينتقي “دكاكين الشهادات” ما يشاء، فحتى “بلد الشهادات” لم يعد كذلك!!

اليوم يأتي أحفاد “أبي جهل” ليسرقوا ما تبقى من قيمة أدبية لأهل العلم، متصورين أن العلم مجرد لقب، أو “د.يسبقون بها أسمائهم، كي يسترواعري جهلهم ، ويوارون سوأة إحساسهم بالعجز والنقص، متناسين أن العلم استعداد وتواضع وكفاح حقيقي، وعقول مستنيرة تعيش العمر كله تتلمس نور المعرفة ما دام في الجسد قلب ينبض ونفس يتردد، فمن ينفقون زهرة سنوات عمرهم من أجل نيل درجة الدكتوراه طبعا من المؤسسات العلمية المحترمة وعن استحقاق- يتحملون من المعاناة النفسية قبل المادية الكثير، ما لا يمكن أن تعوضهم عنه كلمة “دكتور“، فهم يدركون أن مسعاهم أنبل، وهدفهم أكبر من اللقب، لأن هدفهم العلم.

لا أريد أن أتباكي على زمن مضى، كان فيه الفنانون أعلاما تدعو للفخر، تستمع إليهم فتشعر بتلك الثقافة العميقة التي يمتلكونها بغير إدعاء أو تفاخر، لغتهم العربية تضاهي كبار الأساتذة، وبعضهم يتحدث أكثر من لغة أجنبية،كانوا سفراء فوق العادة لبلادهم، حملوا فكرنا ولهجتنا وثقافتنا وقيمنا إلى كل العالم العربي، ووصل بعضهم إلى العالمية، دون أن يدعي لنفسه ألقابا لا يستحقها أو ينتحل لشخصه أوصافا غير جدير بها.

ولا أريد أن يغلبني الحنين إلى الماضي، عندما كان أعمال أهل العلم توزن بالذهب، لكننا جميعا في النهاية مسئولون عما وصلنا إليه اليوم، فنحن الذين منحنا أقزام الفكر والموهبة قيمة، منحناهم ألقاب النجومية رخيصة سهلة دون أن يقدموا شيئا، تهافتت وسائل إعلامنا على استضافتهم وتتبع أخبارهم مهما كانت تافهةوسخيفة، جريا وراء “التريند” وسعيا خلف “الترافيك”،صنعنا منهم بالونات مملوءة بالهواء، ويبدو أن تلك البالونات قد بلغت ذروة اننتفاخها، فتصورت نفسها فوق الجميع، لكن لو كان لدى أولئك “المنتفخين”قدر ولو يسير من العلم، لأدركوا أن البالونات عندما تصعد إلى الأعلى، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مدعاة للفخر، لأنه ليس إلا إيذان بقرب الانفجار!

نرشح لك 

أسامة السعيد يكتب لـ الموقع   خارج النص .. عمر كمال.. أشطر من عمر بن الخطاب!!

أسامة السعيد يكتب لـالموقع  نقطة نور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى