أراء ومقالاتالموقع

أسامة السعيد يكتب لـ” الموقع ” خارج النص .. عمر كمال.. “أشطر” من عمر بن الخطاب!!

نعرف جميعا قصة الإمام أبي حنيفة النعمان، وذلك الجاهل الذي دخل مجلسه، فاستحى أبو حنيفة أن يمد رجله في وجه الضيف غير المعروف لديه، خشية أن يكون أكثر منه علما، وكان “الإمام الأعظم” من المصابين بداء المفاصل، ولا يطيق الجلوس لفترة طويلة في درس العلم دون أن يمد رجله.

انتظر أبو حنيفة صامتا، حتى ضاق الحضور بصمته، وتكلم الضيف بأسلوب يكشف جهله، فقال أبو حنيفة قولته الشهيرة إلى يومنا هذا :”آن لأبي حنيفة أن يمد رجله”.

اليوم.. في زمن السوشيال ميديا يمد الجاهلون أرجلهم في وجوهنا ليل نهار، لا يستحون، ولا يتوارون بجهلهم، بل يتفاخرون به، وأسوأ أنواع الجاهلين أولئك الذين لا يدركون جهلهم، بل يملأهم الغرور فيرتدون ثياب الواعظين.

“الأخ” عمر كمال، وهو أحد “بثور” حمى ما يُعرف بأغاني المهرجانات، خرج علينا مؤخرا بنصيحة لطلاب الثانوية العامة المنتظرين تحديد مستقبلهم، ليقدم له خلاصة تجربته الثرية في الحياة، ورحيق حكمته في دنيا الله، فيخبرهم أنه لا فرق بين من يحصل على 90% أو 40%، لأن الشاطر – من وجهة نظره – “اللي يعرف يجيب فلوس مش مجموع”!!

والحقيقة .. لا ألوم على “الأخ” عمر، فهذا غاية طموحه، وسقف تفكيره، ولا عيب في أن يبدي رأيه مهما كان فجا أو سطحيا، فهذا رأيه، لكن عليه أيضا كما جهر برأيه، أن يتقبل رأي الآخرين فيما قال، وما قال لا يحمل سوى تعبير صادق عن المعايير التي يعتمدها الأخ “عمر” ومن على شاكلته لتقييم الإنسان، وتحديد مكانته في المجتمع، وللأسف هو يعبر عن توجه بات منتشرا في حياتنا ومعيار صار معتمدا لدى كثيرين في دنيانا للحكم على الناس وتصنيفهم.

أقول بكل وضوح أن ما قاله عمر كمال – رغم اختلافي معه كليا وجزئيا- ليس سوى تعبير صادق عن يقين بات راسخا لدى كثيرين، ومتفشيا في أوساط الشباب والكثير من الطبقات الاجتماعية، فقيمة الإنسان تُقاس اليوم بما يملك، وليس بما يعرف أو يعطي ويقدم لمجتمعه، وطبعا لا يهتم أولئك بسؤال أنفسهم عن مصدر ما يملكه ذلك الشخص، أو مدى مشروعيته، فالمهم حجم وكم ما يملك !!

بل إن هناك معايير أخرى باتت تحدد قيمة الإنسان لدى هؤلاء، أكثر تفاهة حتى من رصيده في البنك، ومنها عدد الـ”فولورز” لحساباته على السوشيال ميديا، أو ترتيبه في محرك البحث “جوجل”، ووفق تلك المعايير فإن عمر كمال ومن على شاكلته يتفوقون باكتساح، فلو قمت بكتابة كلمة “عمر” فقط مجردة دون أن تكمل بقية الاسم، ستكتشف أن محرك البحث الأهم في العالم، الذي لا يعمل عشوائيا، بل يعتمد في ترتيب نتائجه على خوارزميات رياضية معقدة تصنف النتائج بناء على عدد عمليات البحث وكثافتها عن الاسم، وعليه سيأتيك ترتيب الأسماء كالتالي:
1. عمر كمال
2. عمر الشريف
3. عمر خورشيد
4. عمر خيرت
5. عمر عبد الكافي
6. عمر الحريري
7. عمر سليمان
8. عمرو دياب
9. عمر بن الخطاب
إذاً وفقا لقواعد ومنطق “جوجل” ومعايير أجيال السوشيال ميديا، يمكن للأخ “عمر كمال” أن يتباهى بأنه يتفوق على كل هؤلاء الذين يأتون بعده في قائمة “جوجل” لأنه أشطر منهم، فهو يمتلك من الثروة ما يفوق كل هؤلاء مجتمعين، ومن الشهرة ما يجعله أكثر انتشارا وشهرة في عالم اليوم وبين جمهور الشبكة العنكبوتية من كل تلك الشخصيات البارزة، بما فيهم صاحب المرتبة التاسعة، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؟؟!
لكن هل الثروة أو الشهرة تصنع القيمة؟

الإجابة بالطبع أعرفها جيدا، ويعرفها كل ذي عقل، لكنني أهدي قصتين للأخ عمر كمال ومن يفكر بنفس طريقته ممن تطفح بهم وسائل التواصل الاجتماعي، ويوصفون خطأ بالفنانين، وهم محدثي نعمة، ثيابهم أثمن ما فيهم، لعلهم يعقلون !!
القصة الأولى هي قصة “قارون”، صاحب الثروة الطائلة التي لم يمتلك مثلها في التاريخ من بعده إنسان، حتى بمعايير مليارات عصرنا الحالي، كان “قارون” من قوم موسى عليه السلام، وأشار القرآن الكريم إلى أن مفاتيح الخزائن “القارونية” كانت أثقل من أن يحملها العديد من الرجال الأشداء.

“قارون” إذاً – وفق منطق الأخ عمر كمال – هو “أشطر” رجل في التاريخ، لأنه الأكثر ثروة وجمعا للمال، بل هو ربما أكثر “شطارة” من أنبياء الله الذين قال عنهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “إن الأنبياء لم يورِّثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورّثوا العلم”.

والسؤال الثاني يا أخ عمر: هل أغنى عن “الشاطر” قارون ماله شيئا عندما عصف به جهله وضيق عقله فجحد بنعمة الله، فكان مصيره أن خسف الله به وبداره وكنوزه الأرض، وأصبح نسيا منسيا، ككل جاهل أحمق، يغريه ماله وما يكتسبه من حلال أو حرام، فيظن أنه أفضل من خلق الله، ويتناسى أن الثروة مع الجهل أسوأ ابتلاء يمكن أن يخضع له إنسان، وهو ما عبر عنه الإمام علي بن أبي طالب، في أبيات يقول فيها:

وَفي الجَهلِ قَبلَ المَوتِ مَوتٌ لِأَهلِهِ .. وَأَجسادُهُم قَبلَ القُبورِ قُبورُ
وَإِنَّ اِمرَءاً لَم يُحيِ بِالعِلمِ مَيِّتٌ .. وَلَيسَ لَهُ حَتّى النَشورِ نُشورُ

أما إذا كنت ترى في تلك الشهرة التي تتمتع بها أنت وغيرك، دليلا على النجاح، أو مبررا لأن تضع نفسك في مكانة لا تستحقها، فأهديك قصة بطلها الأديب والمفكر العملاق الأستاذ عباس محمود العقاد- إن كنت تسمع عنه- والفنان “شكوكو”، فقد أجرى أحد الصحفيين حوارا مع “العقاد”، وسأله عن رأيه فيما يقدمه “شكوكو” من أعمال، فرد العقاد بأنه لا يعرف “شكوكو” ولا يتابع أعماله، وهذا لا يقلل من قيمة “شكوكو” أو فنه شيئا، لكنه لا يدخل ضمن اهتمامات “العقاد” أو ما يستهويه من فنون، إلا أن الصحفي بحثا عن إشعال معركة صحفية أخذ إجابة “العقاد” وذهب بها إلى “شكوكو”، فانفعل الأخير وتحدى العقاد أن ينزلا معا إلى الشارع ويقف كل واحد منهم على ناصية طريق، ويرى أيهما سيعرفه الناس ويلتفون حوله؟ّ!
وعندما عاد الصحفي مجددا إلى العقاد حاملا ذلك التحدي، استقبل صاحب العبقريات التحدي بمنتهى الهدوء، لكنه طلب من “شكوكو” أن يخوض التحدي بصورة مختلفة، فيقف “شكوكو” على ناصية شارع، بينما تقف راقصة شرقية تقدم وصلة من رقصاتها الساخنة على الناصية الأخرى، ويرى مَن سيلتف الناس حوله ؟! فالجموع غالبا ما تذهب إلى الأكثر ابتذالا!!
انتهت القصة .. وانتهى الدرس يا ….. “عمر”!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى