أراء ومقالاتالموقع

يحيى عبدالكريم يكتب لـ «الموقع»: التنمر والعنصرية.. شيزوفرينيا مجتمعية!؟

تُعد ظاهرتا «التنمر والعنصرية» من الظواهر الاجتماعية الخطيرة، التي تؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمعات، وتسهمان في تعزيز ثقافة الكراهية والانقسام.

فيجسد التنمر سلوكًا عدائيًا يتسم بالتكرار مستهدفاً لفرد أو جماعات، يستخدم المعتدي خلاله القوة أو السلطة لإيذاء الآخرين، ويمكن أن يظهر التنمر في المدارس، أماكن العمل، وحتى في الفضاءات الإلكترونية … الخ.

ولظاهرة التنمر سمات تميزها عن السلوكيات العدائية الأخرى، ومن أخص تلك السمات (التعمد – التكرار – اختلال القوة بين المتنمر والشخص محل التنمر).

وللتنمر صنوف عديدة ومن بينها (البدني كالضرب وإتلاف الأغراض – اللفظي كالشتائم والسخرية – الاجتماعي كالتجاهل والعزل – النفسي كالتربص وإيهام المتنمر عليه بأنه مختلق للوقائع – إلكتروني باستخدام التقنيات الحديثة كالتهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل الإلكترونية والنصية … الخ).
وهي ذات آثار سلبية شديدة الخطورة على الفرد والمجتمع، لكونها ظاهرة تزرع حالة من الخوف لدى المتنمرعليه، أياً كانت بيئة تواجده ( محيط الأسرة – محيط العمل – محيط الدراسة – الفضاء الأكتروني .. الخ) نتيجة انتشار السلوكات العدوانية والعنف، وما لذلك من انعكاس على السلوك الجمعي للمجتمعات.

ولقد حذر الإسلام من الإساءة إلى الآخرين، وتجريحهم بالقول أو الفعل أو السخرية منهم بأي طريقة كانت، وأكد القرآن الكريم في غير موضع على حرمة ذلك والنهي عن إتيانه، وتناولته آيات عدة في سورتي ( الهمزة – الحجرات )، فضلاً عن العديد من الأحاديث النبوية الشريفة.

وعلى الصعيد القانوني، لم تكن الدولة المصرية بمنأى عن بذل الجهود، لوضع إطار قانوني لمكافحة التنمر، يتألف من عدة قوانين وتشريعات لحماية حقوق الأفراد، فالدستور المصري تكفل في المادة (57) بحماية حرمة الحياة الخاصة للأفراد، واستهدف قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨)، مكافحة أشكال مختلفة من الجريمة الإلكترونية، بما في ذلك التنمر الإلكتروني، ورتب جزاءات قانونية بالسجن أو الغرامة أو كليهما، وكانت الريادة القانونية كعادتها لقانون العقوبات (رقم 58 لسنة 1937 والمعدل بالقانون رقم 141 لسنة 2021) إذ تضمن بنوداً تتعلق بالقذف والتشهير والإهانة، بما في ذلك التنمر بأي وسيلة كانت.

واسترعت ظاهرة التنمر، انتباه دول ومنظمات دولية عدة، ووفقًا لإحصائيات صادرة عن منظمة اليونسكو، فإن حوالي ربع مليار طفل يتعرضون للتنمر سنويا حول العالم.

وعن ظاهرة التنمر في مصر، فالإحصائيات الدقيقة قد تكون محدودة، بينما تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من الطلاب في المدارس يتعرضون للتنمر، سواء جسدياً أو نفسياً، ووفقًا لدراسات مختلفة، يمكن أن تصل نسبة المتعرضين للتنمر إلى حوالي 30% من الطلاب في بعض المدارس.

ونجد العنصرية تمثل تمييزاً أو تحيزاً ضد جماعة من الأفراد، على أساس عرقهم أو أصولهم، وتبرز العنصرية في صور مختلفة، منها التمييز السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، والتمييز في فرص العمل والتعليم.

ويزخر المجتمع الدولي بممارسات فادحة فاضحة في مجال العنصرية، تأتيها دول ومنظمات يحظى العديد منها بالحماية الدولية أو القهرية، التي تحول دون محاسبة القائمين على تلك الممارسات.

ولعل الكيان الغاصب المحتل هو أوضح صور الممارسة المنهجية البغيضة للعنصرية، والتي تبلغ الذرى بسياسة الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي لأصحاب الأرض، فضلاً عن الاستعلاء على من سواهم من مجاوريهم، بل ومن يخالفونهم في العرقية والمذهبية.

وعلى الصعيد المحلي، كانت مصر تاريخاً وحاضراً، دولة متعددة الثقافات لا أثر للعنصرية الممنهجة بها، إلا أن التوترات الاجتماعية يمكن أن تظهر في بعض الأحيان، نتاجاً لقليل من الممارسات التمييزية على أساس اللون، أو العرق، أو الدين بين أصحاب الديانات المختلفة، أو حتى بين منتسبي الطوائف والمذاهب في الدين الواحد.

وأرى أن ظاهرتي التنمر والعنصرية صنوان، كلتاهما تولد من رحم الأخرى، وأن الفارق الجلي بينهما، أن العنصرية تتخذ شكلاً جمعياً في إتيانها، وأن المجتمع المصري يتضمن سلوكيات يزاول أصحابها التنمر والعنصرية غير الممنهجة أو المتعمدة، بصور مختلفة من أكثرها ذيوعاً، النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بداعي المزاح والتندر، وإطلاق النكات على من يمثلون الأقلية بين أغلبية ما ” مرة واحد صعيدي …. ” على سبيل المثال.

ولعل ما يدعو للاندهاش هو استنكار المجتمع لإتيان تلك السلوكيات المتنمرة والمتعنصرة، بينما يزاولها البعض فعلياً عن عمد أو بغير عمد، فيما يمكن اعتباره من ضروب الشيزوفيرنيا المجتمعية، حيث تصبح المجتمعات مقسمة على أساس الهويات أو المعتقدات.

ولا شك في أن الدولة تبذل جهوداً ملموسة، لمعالجة ما قد تنجم عن هاتين الظاهرتين من انقسامات من شأنها تهديد اللُحمة والنسيج الوطني، وذلك من خلال الحوار والتفاهم لتعزيز الوحدة والانسجام الاجتماعي بكافة الجهات ( المؤسسات الدينية – المؤسسات التعليمية – وسائل الإعلام – منظمات المجتمع المدني …. الخ ) الاضطلاع بأدوار فاعلة ومؤثرة، لمواجهة أسباب نشوء الظاهرتين، والحد من آثارهما.

وتظل هذه القضية تحتاج إلى مزيد من النقاش والتوعية، مع التركيز على أهمية تعزيز القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

وختامًا، أطرح تساؤلاً، للسيدات والسادة المطالعين، عن آرائهم عما إذا كان التنمر والعنصرية، ظاهرتين في المجتمع المصري من عدمه.

لواء/ يحيى عبد الكريم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى