نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» الجذور والأصول

أوقعتني الحياة في مواقف عديدة ومختلفة، كانت على شكل اختبارات لا تعدّ ولا تحصى، منها ما علّمني ومنها ما أسعدني ومنها ما جعلني أقوى وأكثر حكمةً وفهمًا لمجريات الأحداث وتقلّباتها مع الزمن، وقد رأيتُ ما رأيتُ من أفعال الناس وخصالهم وطبائعهم وعاداتهم، ووجدت أننا كبني آدم خطّاؤون، والأخطاء تتفاوت وتتراوح من شخصٍ إلى آخر ومن موقفٍ إلى آخر..غير أنّ ما رسخ في ذهني وبالي،أنّ المعادن أساس كلّ شيء،وأن جوهر المرء وطينته التي جُبل عليها هي التي ستبقى وتدوم مع الوقت.ابن الأصل مهما قلّبته الأيام والظروف والأحداث لن يتخلّى عن أصله وكريم منبته، ومرء السوء مهما أكرمته ورفعته أو خدمته سيواصل نهبك أن استطاع وإن توقفت عن ذلك فتأكد سينقلب عليك ولو بعد مدّة من حيث لا تدري ولا تتوقّع!
والأغرب من ذلك سيرى أنه الحق وعلى حق وسيواصل انتقادك بالهمز واللمز.وقد قالها المتنبّي قبلًا حتى صارت حكمة مدى الأزمان:
إذا أنتَ أكرمتَ الكريم ملَكْتَهُ
وإن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرّدا
وما يخفيه المرء في داخله من جذور وأصول ستمتدّ يومًا ما لتكشف حقيقتها،وتتجلّى بواقعيّتها التي لن تستطيع بعد ذلك أي مساحيق حياتيّة كذوبة أو خدّاعة أن تخفيها.مهما طال بالمرء قناعه،وأظهر صورة غير حقيقية عن نفسه،وشوّه الوقائع ولعبَ بالناس بلسانه الكذوب الذي ألبسه لهجاتٍ منمّقة من عذب الكلام الساحر المخادع، فسينكشف معدنه مع مرور
لوقت،وسيظهر أصله من فلتات لسانه أو ردّ فعله أو بعض سلوكيّاته وتصرّفاته، فأعمالنا وسلوكيّاتنا هي مرآة باطننا.نعم قد تخوننا بعض المواقف فنظهر فيها على غير عادتنا وحقيقتنا، ولكن الطبع غلاب والأصل كشّاف للحقائق والمخفيّ من المعادن، فلا تنخدع بالظواهر ولا تؤخذُنّ بالمظاهر ولا تسلّمُنّ لأشخاص قبل أن يتضح لكم جوهر تركيبتهم وباطنهم!
مع الوقت أصبح لدي يقينٌ تامٌّ بأن العود الطيب مهما انحنى ومال فإنه سيعود إلى أصله، وأن البذرة الطيبة مهما طال بها الوقت فإنها ستنمو وتثمر ولو بعد حين..لذا لا تفقد أملك في إنسانٍ قط ولا تيأس إن رأيته مقصرًا وهو من أصلٍ طيب، فلا بد لهذا الأصل الطيب وهذه الجذور العتيقة وهذه الشجرة العظيمة أن تحنو على غصنها، وتعيده إلى جذعها وتكسيه بخضرتها ونضرتها حتى يزهر ويثمر..
إن وجدت مثل هؤلاء فأعنهم على أمورهم، وألفت نظرهم إلى ما فيه صلاحهم،وأمسك بأيديهم فلعلّ الله وضعك في طريقهم كي تنجيهم من ظلماتٍ مرّوا بها..وإن وجدت أنّ الطّبع غَلَب التّطبّع ولا يمكن إصلاح الأمور فابتعد وأرحْ رأسك.المعادن الطيّبة الأصيلة باتت نادرةً في هذا الزمان
وطوبى للطيّبين!
اقرأ ايضا للكاتب