علاء حيدر يكتب لـ«الموقع» إسرائيل تخشى غزوا لبنانيا أكثر من القصف الصاروخي
يخطيء من يصدق مزاعم إسرائيل ، بأن الهدف الأهم من الحرب الحالية على لبنان ، و القائمة على تصفية قيادات حزب الله ، و قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين ، فضلا عن التوغلات في جنوب لبنان ، يكمن في منع صواريخ حزب الله من قصف و دك المستوطنات الإسرائيلية ، المتاخمة للحدود المشتركة اللبنانية الإسرائيلية ، بهدف إعادة أكثر من 100 ألف إسرائيلي الى منازلهم، بعد أن فروا من شمال إسرائيل ، عند بدء هجوم حزب الله على المستوطنات الإسرائيلية في شمال إسرائيل في 8 أكتوبر الماضي تضامنا مع غزة .
فإستراتيجية إسرائيل المعلنة القائمة على إبعاد قوات حزب الله الي ما بعد نهر الليطاني ، من أجل إقامة منطقة عازلة بين حدود جنوب لبنان و شمال إسرائيل، لتأمين شمال إسرائيل من مرمى نيران صواريخ المقاومة اللبنانية ما هي إلا ” حجة ” إسرائيلية ، نظرا لأن صواريخ المقاومة اللبنانية تطورت بشكل كبير ، حتى وصل مداها الى ٣٠٠ كيلو مترا ، أي ثلاثة أضعاف عمق اراضي إسرائيل . و هذا يعني انه حتى لو عادت المقاومة اللبنانية الي ما بعد نهر الليطاني كما تصر إسرائيل ، بمقتضى القرار الأممي 1701 ، فصواريخ الحزب ستطول مع ذلك عمق أعماق إسرائيل ، و ليس فقط المستعمرات الإسرائيلية في شمال إسرائيل المتاخمة للحدود مع جنوب لبنان .
إذن ما هي مخاوف إسرائيل الحقيقية ، إن لم تكن حماية المستعمرات الشمالية ، من صواريخ حزب الله ، هي الهدف الرئيسي من الحرب على لبنان ؟ ، و لماذا كل هذه الوحشية في القتل بكل أنواع الترسانة العسكرية الامريكية ، سواء ضد قيادات حزب الله أو ضد المدنيين في جنوب لبنان أو في الضاحية الجنوبية لبيروت ؟ الإجابة تكمن في مخاوف إسرائيل من عقدتين مرتبطتين ببعضهما البعض ، أولهما : عقدة تاريخية تكمن في مخاوف إسرائيل ، لا سيما التيار الإسرائيلي المتطرف من بداية إنهيار دولة إسرائيل عند بلوغ عامها الثمانين ، و لم يتبقى على الدولة الحالية سوى 4 سنوات لتتم الثمانين ، مثلما حدث للدولتين اليهوديتين اللتين إقيمتا على أرض فلسطين التاريخية ، و هما دولة الملك داوود ، و دولة الحشمونيين .
أما العقدة الثانية فهي حديثة العهد ، تولدت لدى الصهاينة ، بمجرد تنفيذ هجوم طوفان الأقصى الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 ، و ما تبعه من سقوط مئات الأسرى و القتلى على أيدى الغزاويين .
فالإسرائيليون ، لا سيما الحاخامات ، و التيار اليميني المتطرف ، لديهم قناعة كبيرة، بأن هجوم طوفان الإقصى ، ما هو إلا ” بروفة ” على هجوم مماثل أكثر أتساعا، سيشن في وقت متزامن على إسرائيل من جميع الجبهات ، يبدأ بغزو من المقاومة في لبنان يعقبها هجوما مماثلا من غزة ، و الضفة الغربية ، و الأردن ، بل و من سوريا ، على غرار هجوم طوفان الأقصى ، و ذلك بمئات الآلاف ، سيرا على الأقدام بأسلحة خفيفة متنوعة تمكنهم من الإنتشار وسط الإسرائيليين، و هنا سيخرج الطيران ، ذراع الردع الرئيسي لإسرائيل من المعركة ، التي ستتحول لمواجهة رجل لرجل ، و هو ما لم يعتاد عليه الاسرائيليون ، و ذلك بتخطيط من القيادات العسكرية في إيران ، لإزالة دولة إسرائيل من الوجود .
و إذا صحت مخاوف التيار المتطرف في إسرائيل ، من أن هجوم محتمل من جانب حزب الله على شمال إسرائيل يعد بمثابة تمهيد لإزالة دولة إسرائيل ، فهنا يبرز التساؤل، كم تبلغ المسافة بين حدود إسرائيل، و نهر الليطاني، الذي تريد إسرائيل إبعاد حزب الله إلى ما بعده ، ليكون عائقا مائيا ، شبيه بقناة السويس ، يعطي إسرائيل الفرصة للتحرك قبل شن أي هجوم لبناني محتمل .
للرد على هذا التساؤل ينبغي قياس المسافة بين الحدود المشتركة بين إسرائيل و نهر الليطاني ، و هنا سنجد أنها مسافة لا تزيد عن ٣٠ كيلو مترا فقط ، صحيح أنها ستمنح وقتا كافيا الى حد بعيد لإسرائيل للإستعداد، لو كان الهجوم بأعداد كبيرة من الرجال ، لكنها لن تمنع إستمرار المقاومة اللبنانية في إستهداف عمق اعماق إسرائيل ، بالصواريخ بما فيها المدن الإسرائيلية الكبرى ، و على رأسها ، تل أبيب، و يافا ، و حيفا ، و عكة ، و عسقلان ، وإيلات غيرها من المدن الإسرائيلية كما يحدث حاليا .
وللتأكيد على أن المنطقة العازلة التي تريدها إسرائيل لا يمكن أن تؤمن لا سلامة المستعمرات الشمالية ، و لا كل أراضي إسرائيل من مدى الصواريخ اللبنانية ، ينبغي إستعراض القدرات الحربية للترسانة الصاروخية لحزب الله ، و مدى نيران هذه الصواريخ .
فرغم أن صواريخ الكاتيوشا ، لن تكون ذات فاعلية ، في حال عاد حزب الله بصواريخه إلى ما بعد الليطاني ، لأن مداها لا يزيد إلا قليلا عن ٣٠ كيلو مترا ، إلا أن الحزب يمتلك مجموعة من الصواريخ ، القادرة على تعويض خروج الكاتيوشيا من الصراع بين الجانبين .
فحزب الله يمتلك ترسانة تصل إلى 150 ألف صاروخا ،كثير منها صواريخ باليستية ، مثل” قادر1″ الذي قصفت به المقاومة الفلسطينية مقر الموساد في تل أبيب ، و الذي أعلنت إسرائيل أنه قد تم إعتراضه قبل وصوله لهدفه، كما هي عادة إسرائيل ، التي تفرض بلاك أوت ، أي تعتيم إعلامي على خسائرها ، و تقلل منها .
و يأتي من بين الترسانة الصاروخية لحزب الله ، و معظمها إيراني الصنع ، و بعضها سوري الصنع ، الصاروخ ” فجر 5 ” ، الذي يصل مداه الى 75 كيلو مترا ، و يحمل رأسا تفجيريا شدته 100 كيلو جراما .
كما تتضمن المنظومة أيضا صاروخ ” خيبر 1″ ، و يصل مداه الي 100 كيلو مترا ، و هو مسلح برأس تفجيري شدته 150 كيلو جراما .
أما الصاروخين ” فادي 1 ” ، و ” فادي 2 ” ، فماديهما يتراوح ما بين 90 الى 150 كيلو مترا ، و يحملان رأسا تفجيريا تصل شدتها إلى 250 كيلو جراما .
و تزداد مدى صواريخ حزب الله بالصاروخ ” فاتح 110″ الذي يبلغ مداه بعد تطويره ، و تحسين دقة تصويبه إلى 300 كيلو مترا و هو قادر على حمل رأس شديدة التفجير وزنها 500 كيلو جرام .
و يعد الصاروخ “زلزال 3 ” الذي يبلغ مداه 250 كيلو مترا ، و يسلح برأس تفجيرية تصل إلى 900 كيلو جراما ، من بين الصواريخ القادرة على قصف عمق أعماق إسرائيل .
و يعد الصاروخ “قادر1″ الذي إستهدف به مؤخرا حزب الله ، مقر الموساد في تل أبيب ، ردا على مقتل زعماء الحزب ، و تفجير أجهزة البيجر ، و التوكي ووكي ، من أهم صواريخ ترسانة حزب الله .
وأخيرا و ليس آخرا يأتي الصاروخ ” فادي 4 ” ليتوج ترسانة صواريخ حزب الله ، حيث تم إستخدام هذا الصاروخ المصنوع في سوريا ، و هو صورة طبق الأصل من صاروخ ” خيبر” الإيراني ، في الهجوم الذي شنه أول أمس حزب الله على قاعدة “جاليلوت” العسكرية الإسرائيلية في تل أبيب الكبرى قبل ساعات قليلة من الهجمات الصاروخية الإيرانبة على إسرائيل .
و كانت إسرائيل ، بدأت تنفيذ مخطط إقامة المنطقة العازلة في جنوب لبنان ، بقصف عنيف لكل أنحاء الجنوب، لا سيما المناطق القريبة من الحدود المشتركة مع إسرائيل ، و ذلك فور هجوم حزب الله على الشمال الإسرائيلي في 8 أكتوبر 2023 تضامنا مع غزة ، الأمر الذي أجبر إسرائيل ، على تهجير ما يزيد عن 100 ألف يهودي، إلى وسط و جنوب البلاد .
و في إطار نفس المخطط ، كثفت إسرائيل من قصفها للجنوب اللبناني خلال الأيام الأخيرة ، إعتقادا منها ، أنها نجحت ، كما أعلنت في تدمير 80 في المائة من المنظومة الصاروخية لحزب الله المتمركزة حتى نهر الليطاني ، فضلا عن إبعاد مقاتلي حزب الله إلى ما يزيد عن 10 كيلومترات من الحدود المشتركة . و في خضم هذه الثقة الزائدة ، التي جعلت بنيامين نتياهو يتحدث بكل ثقة من جديد عن شراكة ” مكة – القدس الإقتصادية ” تلقى نتنياهو ، و وزير دفاعه جالانت ، صدمة مدوية أمس، ففي أول توغل إسرائيلي لأرض الجنوب ، و لم تكن القوات الإسرائيلية قد توغلت لأكثر من 400 مترا فقط من الخط الأزرق ، الفاصل بين البلدين ، إنقض عشرات من مقاتلي حزب الله على عناصر ” إيجوز ” أحد أهم قوات النخبة الإسرائيلية ، فقتلوا 8 إسرائيليين من بينهم 3 ضباط وفقا للإعتراف الإسرائيلي ، و أكثر من 80 وفقا للرواية اللبنانية . و عند قيام القوة الإسرائيلية المهاجمة بمحاولة إخلاء القتلى و إسعاف الجرحى، صب المقاومون نيران أسلحتهم على المسعفين، مما زاد من عدد القتلى و الجرحى ، وفقا لبيان رسمي صادر عن الجيش الإسرائيلي .
و يبقى السؤال هل ستنجح إسرائيل في إقامة المنطقة العازلة بعمق 30 كيلومترا ، و هي لم تستطع حتى التوغل لأكثر من 400 مترا . يقول محللون محايدون ، أن إقامة المنطقة العازلة، يتطلب قصفا جويا إسرائيليا جديدا للجنوب لمدة عام كامل ، حتى تتمكن إسرائيل من إقامة هذه المنطقة العازلة ، كما فعلت في محور نتسريم ، الذي فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه، لكن نفس المصادر أشارت إلى إستحالة تكرار ما حدث في غزة ، في جنوب لبنان، لسبب بسيط أن حزب الله الذي يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخا ، كثير منها متوسط المدى ، يصل الى 200 كيلو مترا قادرة على قصف العمق الإسرائيلي ، فضلا عن أن المقاومة اللبنانية قادرة على تعويض ما ستفقده من صوارخ من سوريا و إيران . فهل ستتحمل إسرائيل قصفأ يوميا لأراضيها لأشهر طويلة ، لشعب فر الكثير منه خارج البلد خاصة من يحملون الجنسية الأمريكية و الاوروبية ، و جيشا يخشى القتال رجلا لرجل ؟ .