أراء ومقالاتالموقع

حسن القباني يكتب لـ«الموقع» للقلوب مواعيد لا تقبل التأخير

يفرض علينا تجويد العلاقات والمعاملات داخل كيان الأسرة والمجتمعات ، بذل مزيد من العزم والجهد في عدم التأخر عن أداء الحقوق والواجبات، فإن للقلوب مواعيدا لا تقبل التأخير، وإن التأخر عنها، له عواقب سامة وتوابع مضرة بالقلب، ومهددة لطاقة الروح والنفس.

إن البعض للأسف يتأخر عن تصحيح أخطائه أو مساره الحياتي أو اتخاذ قرار مصيري سليم، أو تقديم الاعتذار لمن يستحق ، أو إجراء الصلح والوفاق في بيته وعلاقاته الإنسانية بعد شقاق ، وكل تأخير في ذلك الإطار فيه شر كبير، ولهذا قال البعض :” غير مرحب بالأشياء التي تأتي متأخرة عن موعدها بعدما تجاوزنا ضرورة وجودها”، وقال البعض الآخر:” الإعتذارُ إذا تأخر عن وقتِه ؛ صارَ كمَنْ يُقدِّمُ لكَ قهوةً باردَة”.

وإن البعض الآخر يتأخر عن المواعيد المقررة للمقابلات الشخصية أو اللقاءات الاجتماعية أو دفع الرواتب للموظفين ، أو سداد الديون لأصحابها، وهو تأخر مؤسف انتشاره ، وعميق تأثيره السلبي على الروابط الإنسانية والسلام النفسي ودوام العشرة والتقدير والاحترام ، خاصة في الأمور المالية، التي قد تؤثر سلبا على ستر بيت من البيوت أو مواصلة كريم كرمه وفضله، وهنا ندق جرس الإنذار.

كما بات التأخر عن الزواج سمة سلبية رائجة، وصار الشباب في تلك الأيام بين تأخيرين، فالبعض يتأخر عن اتخاذ القرار رغم امتلاكه القدرة على اتمامه، لقلق أو خوف أو رهاب، أو لمواصفات خيالية أو اشتراطات جزافية ، فيما يتأخر البعض الآخر عن الزواج لعدم قدرته على تكاليفه وأعبائه ، ولهؤلاء جميعا يجب أن تتضافر الجهود الرسمية وغير الرسمية للمساندة والدعم لمن يحتاج التعافي والتأهيل والتيسير على من ينشد بحق الخير والستر.

وعلى جانب آخر، تقتضي بعض الأحوال والأمور، التسليم بحكمة القدر في التأخير الخارج عن الإرادة والمقدرة وأطر السعي، الذي يدفع البعض للمعاناة من تأخر بعض الأمنيات والأهداف والنعم ، في رحم الغيب.

ويوجه الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع في كتابه “الزهرة المفقودة” ، سؤالا حكيما لمن وقع في ذلك الضيق، قائلا :” ألم تشهد حياة كثيرين منا مواقف معينة بكينا أمامها و أسفنا على ما فاتنا فيها، وضاقت صدورنا باحتمالها، ثم لم تلبث الأيام أن أثبتت لنا أنها لم تكن سوى مقدمة لخير عميم أراده الله لنا.. وقصرت آمالنا حتى عن التطلع إليه؟”.

ويقول الحكماء في هذا الإطار :” كل تأخيرة وفيها خيرة”، ولقد تحدث كثيرون عن أهمية انتظار خير الغيب والتعلق بكرم الرب، حتى لو غابت عن القلب المرتقب لتحقيق أمله الحكمة من التأخر وزاد ألمه، ومن الدعاء المأثور:”اللهم رضّني بقضائِكَ، وباركْ لي فيما قُدِّرَ لي حتى لا أُحبَّ تعجيلَ ما أخّرتَ، ولا تأخيرَ ما عجّلتَ”.

إن المبادرة والمسارعة في إنجاز ما يصون العلاقات والمعاملات، يجب أن يكون شعار الحياة في هذه الأيام، فإن القلب يفرح باحترام مواعيده، وإن النفس تسعد بتقديرها في الوقت المناسب، وإن الروح تطير فرحا بعدم التأخر عن حقها، وإن الحياة لا طعم لها بغير هذا التقدير والاهتمام والاحترام ، ولكن أكثر المتأخرين عن حقوق القلوب والأرواح لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى