أراء ومقالات

الدكتور صفوت عمارة يكتب لـ«الموقع» عن معنى وجعل بينكم مودَّةً ورحمةً

وصف الله عزَّ وجلَّ عقد الزواج في القرآن الكريم بـ “الميثاق الغليظ” فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، لقوة ومتانة هذا العقد الذي يصعب نقضه، كالثوب الغليظ الذي يعسر شقه أو تمزيقه، ولقد حرصت جميع الشرائع السماوية
على استدامة العشرة بين الزوجين لبناء مجتمع إنسانى سليم؛ فاﻷﺳﺮﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، وﺍﻟﺮﻛﻦ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭبقدر تماسكها وترابطها يكون المجتمع قويًا؛ فالحياة الزوجية أقوى الروابط الاجتماعية، ولقد بيَّن الله تعالى أنّ الأصل في العلاقة بين الزوجين المودّة والرحمة، فقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]؛ فهذه الآية لها أبعاد عميقة في بناء المجتمع الإسلامي، والمعنى: ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم أيها الرجال من جنسكم أزواجًا، لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بينكم محبة وشفقة، إن في خلق الله ذلك لآيات لقوم يتفكرون ويتدبرون، ولو تأملنا هذه الآية الكريمة لوجدناها تحتوي على السكن والمودّة والرحمة؛ فالسكن هو سكينة النفس وطمأنينتها واستقرارها، والراحة والحماية والأمن والسلام، حيث يرتاح كلٌّ منهما إلى الآخر، ويطمئن له ويسعد به، ويجد لديه حاجته، فإذا ما اهتزت هذه المرحلة ونفرَ أحدهما من الآخر جاء دور المودّة والمحبّة التي تُمسك بزمام الحياة الزوجية وتوفر لكليهما قدرًا كافيًا من القبول، فإذا ما ضعف أحدهما عن القيام بواجبه نحو الآخر جاء دور الرحمة، فيرحم كل منهما صاحبه، فيرحم ضعفه ويرحم مرضه، وبذلك تستمر الحياة الزوجية، ولا تكون عُرضة للعواصف في رحلة الحياة، فالمودّة والرحمة إذا نُزعا من المنزل كانت الحياة شقاء ودمارًا.

جعَل الله المودّة والرحمة بين الزوجين آيةً ظاهرة، ومعجزةً باهرة، ومن أسباب دوام العشرة بينهما، والحفاظ على الأسرة قوية متماسكة وقادرة على التخلص من كل الأفكار التي من شأنها أن تقضي على استقرارها وتهدد عرش بقائها، ومن تلك الأسرة يتخرَّج الأبناء ويكونون أداةً صالحة في خدمة دينهم ومجتمعهم، فإذا كانت الأسس التي تُبنى عليها الأسرة متينةً، فإنه يؤدي إلى سعادتها وارتقائها، ومن المودّة والرحمة كف الأذي عن الزوجة، بل احتمال الأذي منها، والحلم عن طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله صلَّي الله عليه وسلَّم، فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وقد كان رسول الله صلَّي الله عليه وسلَّم، يمزح معهن”، فكان من أخلاقه أنه جميل العشرة، دائم البِشر، يُداعب أهله، ويتلطف بهم، ويضاحك نساءه، حتي إنه كان يسابق عائشة رضي الله عنها ويتودد إليها بذلك؛ فعن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت مع النبي صلَّي الله عليه وسلَّم في سفرٍ قالت: فسابقته فسبقته علي رجليَّ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: «هذه بتلك السبقة» [رواة أبي داود وصححه الألباني]، فالملاعبة، فهي التي تُطيب قلوب النساء، والحياة الزوجية لا تخلو من المشكلات نتيجة اختلاف الطبائع البشرية، وتفاوت نفوس البشر؛ فإذا استنفدنا السكن والمودّة والرحمة، فلم يعُد بينهما سكن ولا مودّة، ولا حتى يرحم أحدهما صاحبه فقد استحالت بينهما العِشرة، فقد أصبح من الحكمة مفارقة أحدهما للآخر، وهنا شرع الحق سبحانه الطلاق ليكون حلًا لمثل هذه الحالات بعد استنفاد جميع الوسائل الممكنة، فمهلا أيها الأزواج إما معاشرة بمعروف أو فراق بإحسان، ولا تنسوا الفضل بينكم حتي لا يذهب المعروف والفضل بين الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى