أراء ومقالاتالموقع

إيرينى سعيد تكتب لـ«الموقع»: المحليات.. الُبعد المهدر في النظام السياسي

أعاد الحوار الوطنى المحليات من جديد إلى دائرة الضوء، عقب سنوات من تفكيك المجالس المحلية وتوقف انتخاباتها، حيث تم تداركها ضمن أبرز جوانب المحور السياسي، وخلال الجلسات الأولى للحوار الوطنى، وربما توصيات عدة لا زالت منتظرة تجاه هذا البُعد المهم والمهدر من تركيبة النظام السياسي، كون المحليات _ أو بمعنى أدق الحكم المحلى_ تأتى ضمن مكونات السلطة التنفيذية، وفى مقدمة آليات التنمية المحلية، إذا ما أردناها.

تتمثل فاعلية المحليات فى مستهدفاتها التنموية والمتعلقة بكافة الجوانب الحياتية والمجتمعية خصوصا للأقاليم وسكانها، ودائما ما تأتى الإستراتيجيات والسياسات الدقيقة الخاصة بالإدارة المحلية متمركزة حول الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية، كونها الكفيلة بتحديد جودة حياة الأفراد وطبيعة الظروف المعيشية، حيث يتم استهداف المؤشرات الاقتصادية المحلية من حيث العمل على الدفع بالنمو، مع تعزيز الصناعات التنافسية.

وذلك إلى جانب مبادرات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعن الجانب السياسي فتمثل تنميته أولوية مُلحة بالنسبة للمحليات، على خلفية ممارساتها السياسية ومهامها التنفيذية والرقابية، بالإضافة إلى اعتبار الإدارة المحلية حلقة الوصل ما بين الأقاليم وصناع القرار بالعاصمة، ومنه فإن احتياجها للكوادر السياسية، يحتم على الأحزاب ومعها منظمات المجتمع المدنى دعم شباب الأقاليم وتنميتهم سياسيا.

وثمة عدة تحديات من شأنها إعاقة التنمية المحلية وتوقف فاعليتها، أهمها التحدى التقليدى والمتعلق بتأخر صياغة التشريعات، مع العجز المالي والإدارى، أيضا تداخل الأجهزة الإدارية بهياكلها التنظيمية، وتراجع إيرادات الأقاليم مقارنة بحجم الإنفاق المطلوب، مايضطرها بالعودة إلى مخصصات معينة بالموازنة العامة للدولة.

وهو ما يتعارض والوضع الدستورى، أو على الأقل قد يتجاوز الخيط الرفيع مابين اللامركزية المطلوبة والمركزية المتعارف عليها، أضف تراجع الوعى السياسي هناك وندرة الكوادر المؤهلة، إلى جانب مناطق عشوائية بعينها فى حاجة إلى بنية تحتية كاملة، وجميعها عوامل قد تعرقل إلى حد يذكر استقلالية المحليات ودعم استقلاليتها.

غير أن تبنى البرامج والمشروعات القومية، ساهم بنسبة معقولة فى عودة تفعيل هذه الإستراتيجية التنموية، حتى مع توقف المحليات وتأخر قوانينها، ولعل برنامج حياة كريمة، يعد أبرز هذه المشروعات والذى انطلق بالقرى البسيطة والنجوع مستهدفا تغييرات تامة، وعلى كافة المستويات.

وربما تعددت الروئ والاتجاهات حيال ملف المحليات، وإن إتفقت جميعها حول ضرورة الانتهاء من القوانين المنظمة للإدارة المحلية، وبما يتفق مع نصوص الدستور، والذى اختص الإدارة المحلية بما يقارب التسع مواد_ من المادة 183:175_، وفى جميعها تم التطرق إلى كافة الأبعاد والكفيلة بمعاونة المحليات فى اللحاق بركاب العاصمة_ ولو بنسبة_ سواء سياسيا، اقتصاديا وحتى اجتماعيا وثقافيا، فالبداية وتحديدا فى “المادة 175” قسمت الدولة إلى وحدات سواء محافظات، مدن وقرى، لها هذه الوحدات شخصيتها الاعتبارية، وهو ما يستدعى اللامركزية بآلياتها واللازمة لتحقيق التنمية المحلية.

وهنا تبرز “المادة 176 ” ونصت على” تكفل الدولة دعم اللامركزية الادارية والمالية والاقتصادية، وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، والنهوض بها، وحسن إدارتها، ويحدد البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات إلي وحدات الادارة المحلية”.

وبالرغم من هذه اللامركزية والاستقلالية المطلوبة للمحليات وإدارتها، لكن تظل الدولة صاحبة اليد العليا فى تحقيق هذه التنمية وهو ما جاء فى “المادة 177” “تكفل الدولة توفير ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة علمية، وفنية، وإدارية، ومالية، وتضمن التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، والموارد، وتقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات، طبقًا لما ينظمه القانون” .

وربما تتجاوز المحليات بند المخصصات بالموازنة العامة للدولة، فتم تخصيص موازنات كاملة ومستقلة للوحدات المحلية، حيث نصت “مادة 178” “يكون للوحدات المحلية موازنات مالية مستقلة. يدخل فى مواردها ما تخصصه الدولة لها من موارد، والضرائب والرسوم ذات الطابع المحلى الأصلية، والإضافية، وتطبق فى تحصيلها القواعد، والإجراءات المتبعة فى تحصيل أموال الدولة” . أما “المادة 179” فتناولت شروط تعيين وانتخاب المحافظين ورؤساء الوحدات مع تحديد اختصاصاتهم.

إلا أن “المادة 180″ أبرزت الجدوى الفعلية لعمل المجالس المحلية، وتمثلت فى الرقابة الفعلية للاجهزة المحلية، مع صلاحية سحب الثقة من رؤساء الإدارات المحلية، حيث جاء ضمن نصوصها” وتختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو الذى ينظمه القانون.

ويحدد القانون أختصاصات المجالس المحلية الأخرى، ومواردها المالية وضمانات أعضائها واستقلالها”، أما “مادة 181” فأبرزت اختصاصات المجالس وعملية توزيع السلطات ما بين الأجهزة المحلية، لتحدد “المادة 182” الموازنة والحسابات الختامية، ومن ثم فإن آلية حل المجالس ومدى قانونيتها فقد نصت عليها “المادة 183”.

بالتالى لا زالت معضلة المحليات متمثلة فى تأخر صياغة القانون، وفى ضوء المعايير الدستورية أعلاه، وهو ما لم يغب عن جلسات الحوار الوطنى، وخلالها أتفقت أيضا كافة التوجهات حول المطلب الرئيسي ومفاده صياغة القانون المنتظر، مع تسليط الضوء على مفاهيم وسياقات مهمة، لا بد وأن يتضمنها القانون أبرزها اللامركزية واستقلالية الأقاليم، مع خلق حالة من التوازن بين الأجهزة المحلية، والأهم تنمية كوادر قادرة على تصدر المشهد المحلى.

اقرأ ايضا للكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى