أحمد سلام يكتب لـ«الموقع» التعاون المصري الصيني في مجال الخدمات خطوة على جادة الصواب
تُعد خطوة توقيع اتفاقية صيانة وإدارة المرافق، والتي تم توقيعها بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وتحالف شركتي “UMI” التابعة لمجموعة “CSCEC” الصينية وشركة “IGI” الدولية، والتي تتعلق بإدارة وتشغيل منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، خطوة هامة جداً، والتى تشمل 20 برجا متنوع الاستخدامات، كما تضم المنطقة 10 أبراج بمساحات إجمالية تصل إلى 806 آلاف متر مربع، وهي مخصصة للاستخدامات الإدارية والتجارية والخدمية. كما تضم أيضاً 5 أبراج سكنية تتضمن 1700 وحدة سكنية، تتراوح ارتفاعاتها بين 152 و200 متر، بالإضافة إلى الأبراج الهلالية المكونة من 4 أبراج مرتبطة بأنشطة فندقية وتجارية.
وتأتي هذه الاتفاقية كخطوة إضافية نحو تحويل العاصمة الإدارية الجديدة إلى مركز اقتصادي يجمع بين التصميم العصري والبنية التحتية المتطورة، مما يعزز من مكانة مصر الاقتصادية ويدعم جهود الدولة في التحول إلى اقتصاد متنوع ومستدام.
كما أن أهم علم في هذه المنطقة هو البرج الأيقوني، والذى يُعد أطول برج في أفريقيا والذي يُعَدّ رمزًا للتطور العمراني والهندسي في مصر بارتفاع نحو 400 متر. ويشمل العديد من الأنشطة الفندقية والتجارية والإدارية، بالإضافة إلى وجود فندق عالمي يتضمن البرج 40 طابقًا للمكاتب الإدارية و10 طوابق للشقق الفندقية، مع 183 غرفة فندقية، بمساحة إجمالية تصل إلى 266 ألف متر مربع.
وشركةUMI هي شركة مملوكة لمجموعةChina State Construction Engineering Corporation (CSCEC) الصينية، وتعمل في مجالات متعددة تتعلق بالبناء والتطوير الحضري وإدارة المشاريع الكبرى. وتُعد CSCEC من أكبر شركات الإنشاءات في العالم، وتعتبر UMI جزءًا من منظومتها التي تركز على إدارة وتشغيل المشاريع والمجمعات السكنية والتجارية، خاصة في المناطق الجديدة والحضرية الذكية.
وتتميز شركةUMI بخبرة في إدارة وتشغيل المشاريع الكبيرة مثل المناطق الحضرية، المراكز المالية، والمجمعات السكنية، حيث تركز على ضمان الكفاءة التشغيلية والاستدامة على المدى الطويل. كما أنها تسعى إلى تطبيق الحلول الذكية، مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في المشاريع التي تديرها، ما يسهم في خفض تكاليف التشغيل وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة الموارد.
كما أنها تعمل بالشراكة مع شركات محلية ودولية في إدارة وتشغيل مشاريع في دول عدة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تتعاون مع الحكومات والمؤسسات لتعزيز البنية التحتية وتقديم حلول مستدامة.
وهي شركة لها خبرة واسعة في إدارة المشاريع السكنية والتجارية العالمية، ولها أيضاً مشاريع متنوعة في عدة مدن كبرى بالصين، بما يشمل المراكز التجارية والمجمعات السكنية المتكاملة، وتطبيق معايير البنية التحتية الذكية التي تركز على الاستدامة.
وقد شاركت في تطوير وإدارة مدينة المعرفة – الإمارات العربية المتحدة، والعديد من المشروعات في أفريقيا، ومنها المدينة الصناعية الذكية في نيروبي – كينيا. وتسهم UMI في تقديم خبرات متقدمة في مجالات التشغيل والإدارة الذكية للبنية التحتية والمرافق، مما يعزز كفاءة المشاريع ويجعلها قادرة على تلبية الاحتياجات المستقبلية للمجتمعات التي تخدمها.
ومما يؤكد أن هذا التعاون والاتفاق بين مصر (ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة) والصين (ممثلة في شركةChina State Construction Engineering Corporation (CSCEC) وشركتها التابعة UMI اختيار موفق، أن هذه الشركات قد حصدت العديد من الجوائز العالمية في مجالات الإنشاءات والبنية التحتية. فقد حصلت CSCEC على جائزة “لوبان” لمشاريعها الخارجية، ومنها مشاريع مثل “فندق جين بي” في كمبوديا، ومشروع “الوحدات السكنية الاجتماعية” في جزر المالديف، ومشروع “جسر تيمبورنغ البحري” في بروناي. كما فازت بجوائز من “MEED” لمشاريعها في البنية التحتية والرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب جائزة “الإبداع في البناء” في الإمارات العربية المتحدة عن مشاريع في الضيافة وتطوير البنية التحتية.
وتعتبر هذه الجوائز اعترافاً بالابتكارات التي تُدخلها CSCEC في مشاريعها، والتي تشمل تطبيقات متقدمة لتقنيات BIM وتحقيق معايير استدامة عالية، مما عزز سمعتها في سوق الشرق الأوسط وأفريقيا.
أما شركةIGI الدولية، فهي واحدة من أكبر الشركات في مجال التشغيل والإدارة في مصر. وتمتلك خبرة تمتد لأكثر من 30 عامًا في إدارة المجمعات الإدارية والسكنية في مصر. وقد تأسست في عام 1994 وأصبحت في طليعة المطورين العقاريين، وبنت العديد من المشاريع المختلفة والناجحة في مصر.
وأتصور أن هذا التعاون والاتفاق الذي تم سيعمل علي جذب الشركات والمؤسسات الدولية، مما يعزز من مكانة مصر كمركز للاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما يسهم في دعم الاقتصاد المصري، من خلال خلق فرص عمل جديدة وزيادة النشاط التجاري والصناعي في العاصمة الإدارية. كما أن هذا الاتفاق سيجعل هناك رؤية شاملة لتحويل العاصمة الإدارية إلى مدينة متكاملة ذات مرافق عالمية، مما يوفر لمصر فرصة لتطوير إدارة حضرية متقدمة، تعتمد على نظم ذكية للتشغيل والإدارة، مما يزيد من كفاءة الخدمات المقدمة ويعزز من جودة الحياة في المدينة.
ولا شك أن هذا الاتفاق سيجعل مصر تستفيد من خبرات الشركات الصينية في مجال إدارة وتشغيل المناطق الاقتصادية والمراكز الحضرية الكبيرة، حيث تُعد الصين رائدة في هذا المجال، وخاصة في تطوير “مناطق الأعمال المركزية” التي تتميز بالتقنيات المتقدمة وأنظمة الإدارة الذكية.
ويمكنني هنا أن أضرب أمثلة لمستها بنفسي عن نجاحات الشركات الصينية في إنشاء وتشغيل مناطق أعمال مماثلة حول العالم. على سبيل المثال: مدينة شنجن الاقتصادية، والتي تحولت من قرية صيد إلى مركز مالي عالمي يُعد مثالاً ممتازاً على نجاح الصين في إنشاء مناطق اقتصادية متطورة، حيث تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمدينة نحو 480 مليار دولار في السنوات الأخيرة، وتُعد شنجن من أسرع المدن نموًا في الصين منذ أن أصبحت منطقة اقتصادية خاصة في عام 1980. وقد ارتفع عدد سكان المدينة من حوالي30 ألف نسمة في السبعينيات إلى أكثر من17 مليون نسمة بحلول عام 2023، حيث ساهمت التنمية العمرانية الهائلة وازدهار الأعمال في جذب السكان من مختلف أنحاء الصين. ومنذ تحولها إلى منطقة اقتصادية، تجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها90 مليار دولار في السنوات الأخيرة، ما ساهم في تحولها إلى مركز أعمال إقليمي ودولي.
وهناك مركز الأعمال المركزي في بكين (CBD) ، حيث أنشأت الصين منطقة أعمال مركزية تضم مقرات شركات كبرى وصروحًا مالية، مما جعلها وجهة رئيسية للمستثمرين، وزاد عدد السكان في منطقة (CBD). وهناك أيضاً منطقة الأعمال المركزية في شنغهاي (مثل منطقة بودونغ)، والتي شهدت نموًا كبيرًا منذ تحويلها إلى مركز تجاري عالمي، وارتفع عدد سكان شنغهاي إلى حوالي 26 مليون نسمة، مع زيادة مستمرة في كثافة السكان في المناطق التجارية.
وقد شهدت شنغهاي زيادة كبيرة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد تطوير منطقة الأعمال المركزية في بودونغ من 10 مليارات دولار أمريكي في تسعينيات القرن الماضي إلى أكثر من60 مليار دولار سنويًا في العقد الأخير، حيث ساعدت البيئة الجاذبة للأعمال في استقطاب الشركات الأجنبية.
وتعتمد الشركات الصينية بشكل متزايد على التكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT)، لتطوير إدارة فعالة للمرافق والبنية التحتية الذكية، ما يُسهم في خفض تكاليف التشغيل وتحقيق كفاءة أعلى. وفيما يلي بعض الأرقام والإحصاءات التي تُبرز مدى فعالية هذا النهج. حيث تشير تقارير إلى أن استخدام إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي في إدارة المباني الذكية يُقلل تكاليف التشغيل بنسبة تصل إلى 30%، ويُخفض تكاليف الصيانة بنسبة 20-25%، من خلال التشخيص الاستباقي والقدرة على التحكم عن بُعد في المعدات الأساسية، مثل أنظمة التكييف والكهرباء.
وتوضح الأرقام المذكورة أعلاه مدى نجاح تجربة الصين في تطوير مناطق الأعمال المركزية كاستراتيجية لتعزيز التنمية الاقتصادية والنمو السكاني والعمراني، وتُعد هذه الأرقام مرجعًا مهمًا في تقييم الفوائد المتوقعة من تطوير منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر.
وهنا، يثور التساؤل: كيف تستفيد مصر من تجربة الصين في هذا المجال؟. يمكن القول إنه يمكن لمصر أن تستفيد بشكل كبير من خبرات الشركات الصينية مثل “CSCEC” و”UMI” في إدارة وتشغيل المشاريع الكبرى، خاصة في ضوء تجربتهما الناجحة في إنشاء وتشغيل مناطق الأعمال المركزية والمدن الذكية في الصين. حيث يمكن لهذه الخبرات أن تدعم النمو المتوقع في العاصمة الإدارية الجديدة وتحقيق التطلعات لجعلها مركزًا إقليميًا للأعمال. كما أنه من المتوقع أن يؤدي التطوير المستمر للبنية التحتية والمرافق الذكية في العاصمة الإدارية الجديدة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. واستنادًا إلى التجربة الصينية في مدن مثل شنغهاي وشنجن، يمكن أن تحقق مصر زيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة تتراوح بين 25-40% في الأعوام الأولى، بفضل تقديم بيئة أعمال متكاملة وجاذبة للشركات الدولية.
كما يمكن للعاصمة الإدارية الجديدة أن تصبح وجهة إقليمية رئيسية للأعمال والاستثمار في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. فاستنادًا إلى التجربة الصينية، يُتوقع أن تساهم هذه المنطقة في الناتج المحلي الإجمالي المصري بنسب تتراوح بين 5-10% خلال العشر سنوات الأولى من تشغيلها، مما يعزز دور مصر كمركز مالي وتجاري إقليمي.
هذا بالإضافة إلى إمكانية أن تساهم منطقة الأعمال المركزية في خلق آلاف الوظائف الجديدة، حيث تقدر الخبرة الصينية أن كل مشروع رئيسي جديد في منطقة الأعمال المركزية يمكن أن يوفر من 50 إلى 100 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، مما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي ويقلل من نسبة البطالة.
وختاماً، يمكن القول إن التعاون المصري الصيني في مجال الخدمات وإدارة وتطوير منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة، يُعد خطوة مهمة أخرى تُضاف إلى الزخم الكبير الذي يشهده التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الدولتين، إنطلاقاً من رؤية القيادتين المصرية والصينية لتطوير العلاقات بينهما، بما يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية تُفيد الدولتين وشعبيهما